طفلٌ صغير. خلق بلا يدين. يعيش في العالم برجليه فقط! أجبرته الحاجة، وذللت له همته العالية، أن تكون رجلاه كل حياته، بهما يتناول الأشياء. يضع معجون أسنانه على الفرشة، ثم يفرش أسنانه، ويداعب خديه، ويضع عليها المرطب، ويتناول الملعقة بإحدى قدميه، والإناء بالأخرى، ويأكل ويشرب، ويقضي كل ما يريده من ضروريات، وحاجات، بل وحتى الكماليات، والترفيه، فتراه برجليه النحيلتين، يزجي وقته باللعب والانسباط.. مستندا في ذلك كله على قديمه الصغيرتين.
هذا الطفل العجيب، راح يناجي العالم، يحاوره، ويتفاعل معه بقدمين حافيتين. لم يرزق بيدين يستطيع أن يستغني بهما عن الناس. لكنه استغنى برجليه عن الجميع. يستطيع أن يقوم بما شاء، في الوقت الذي يشاء، وهو يشرق رضاً وسعادةً وأملاً. لم يجد غضاضةً في أن يكون ضمن زملائه يشاركهم الكتابة والتعلم والمتعة حيث يلعب معهم بألعابه، لم يشعر بالنقص بينهم، ولم تتسلل إليه الكآبة، ولا الضجر، ولا تسرب إليه التشاؤم. يقبل على الحياة، بكل ما تعنيه كلمة الإقبال، متضمنة البهجة والرضا والسرور والحبور. كما لم يشعر الأصحاء إلا بضعفهم أمام قوة هذا الطفل الفذ الذي كسر كل المستحيلات، ووضعها جانباً. إنها الرؤية الإيجابية للحياة والنَفس القوي في مواجهة صعوبات الحياة بشتى أصنافها.
أن تواجه الحياة الصعبة، والعيش بلا يدين، بهذه النفسية، مظنة تأمل وإلحاح، وجدير بالتأمل مع ما يفعله بعض الكبار (أجساماً وأعماراً لا همما)، وهم لا يرون أنهم أقوياء حتى وهم بكامل صحتهم البدنية!
في حياتنا، تجد الخدم يميناً وشمالاً يأتون لبعضنا بكل شيءٍ، حتى شربة الماء، لكن ذلك، لم يخفف من حالات التذمر، ونفسيات الاستياء، ومستويات الضجر! بل إن الكثيرين في بيوتهم لا يعرفون خدمة أنفسهم فضلاًعن خدمة غيرهم. شتان بين الطفل المعاق الذي يعيش برجليه فقط، وبين أجسام البغال التي لا تقوم بأي حاجةٍ من حاجاتها إلا بمساعدة الخدم والسخرة الذين يطوفون عن الأيمان والشمائل. ولله في خلقه شؤون. يا للسخرية، هل نحن المعاقون وهؤلاء هم الأصحاء؟! كيف ذلك، وبعضنا إذا أدرك الخادمة وقد غفت جراء التعب راح يصرخ عليها وينهرها ويشجب فعلتها، حتى لكأنها آلة أو “مكينة” مرتهنة له وحده من دون العالمين! لا تلوموه فإنه بحاجة إلى من يحضر له الريموت كنترول، ليغير مزاجه من قناة إلى أخرى، دون أن يستطيع أن يصل لشيء من مراحل رضا الطفل الصيني الصغير الذي يعيش بلا يدين، وتتوالى عليه الأسئلة: هل تريد مساعدة؟ فيجيب بفخر وتواضع: لا! أيها السادة سأضع رابطاً للمقطع الملهم لهذا الطفل الأعجوبة، لأكرس فكرة طالما كررتها وهي “الرؤية الإيجابية”. لكل شيء وجه إيجابي مهما كان صادماً وصعباً. قال أبو عبدالله غفر الله له: لتكن رؤانا إيجابية، ولنتعلم من هذا الطفل درساً حياتياً جديداً، والحياة دروس، وليكن هذا المقطع فاتحةً لصفحةٍ جديدةٍ لكل حياتنا. لنرى الأشياء الإيجابية، ولنخرج البياض من رحم السواد.. هذه هي القيمة التي يخرج بها كل من رأى هذا الطفل وتأمل به جيداً، إنه يكشف للأصحاء عجزهم وللمعاقين قوة إرادتهم. لا ماتت لكم همة، ولا أصابتكم كآبة، ولا خالطكم يأس. المقطع للمشاهدة: