إذا كان الإرهاب هو الذي هيمن على المشهد العربي والإسلامي منذ أوائل التسعينيات، فإن الثورات هي التي أخذت المشهد، وأغلقت فصلاً مهماً من فصول الإرهاب بمقتل أسامة بن لادن في 2 مايو (أيار) 2011 ليكون النقاش حول مستقبل الدول الثائرة، وعن أسباب تلك الثورات. لا يمكن إغفال دور “الاستبداد” في إيقاظ عزيمة الشعوب نحو الحرية، بل ربما كان هو السبب الرئيسي لانتفاضة الشعوب، واللافت في الثورات أن الشعوب التي ثارت هي تلك التي حُكمت بالحديد والنار، بدايةً من تونس، إلى مصر، ومن ثم ليبيا، التي عاشت على مدى أربعين سنة ما يشبه “فانتازيا” الحكم، وإلى سوريا التي حكمت بالمخابرات، حتى إن السوريين يأخذون إذناً من المخابرات من أجل شراء جهاز فاكس، ثم اليمن التي أهملت وغشى النظام الفساد والقهر والظلم، إذن فالفساد هو أساس الثورات!
الكاتب: زهير مبارك، له كتاب مهم في هذا الموضوع نشر سنة 2010 بعنوان: “أصول الاستبداد العربي”، يشخّص من خلاله المؤلف معضلة الاستبداد من الناحية الاجتماعية، ويبحث عن الأصول التي سببت الاستبداد في عالمنا العربي، ومن جميل ما ذكره أنه اعتبر الاستبداد شكلاً من أشكال “نفي المجتمع” حين يقول: “الاستبداد أعلى مراتب النفي الذاتي للشعوب على مستوى العالم ككل وعلى المستوى العربي بشكل خاص، فحالة الشعور بالقمع المتجسد في الذات من قبل الآخر تعيق التقدم”.
النفي الذي يسببه الاستبداد يتنوع، من نفي الشعوب عن التعليم، وعن الصحة، ونفيهم عن الثروة الوطنية، وحبسهم في سجنٍ يسمى “وطناً” ومن ثم ينتظر المستبد من الشعب الطاعة، ولم يعلم أن الاستبداد يولد العصيان والقهر والخروج ويسيل الدماء، هكذا علمتنا تجارب الأمم الأخرى منذ بدء التاريخ، الإنسان ينفر من الرجل التي تطأه ويقاومها ولو باسنانه، لكن الذين يرون في الاستبداد حلاً هم الذين رسموا حتفهم بأنفسهم، كما نرى القذافي اليوم، وبشار الأسد، وعلي عبدالله صالح!
ومن الأفكار المهمة في الكتاب أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تكون علاقة “تعاقد اجتماعي”، يقول: “العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة مضطربة تقوم على فرض الطاعة تلبيةً لخدمة الحاكم، وإخضاع المحكومين لإرادته ومتطلباته دون أخذ مصالحهم بعين الاعتبار، ولا طبيعة التعاقد الإنساني ما بين الطرفين”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: نحن في زمن الثورات، والدراسة المكثفة لمعاني الثورة ضرورية، فهذه الانتفاضات ليست مزحة، بل يجب أن تُقرأ وأن يُستفاد منها فائدة عظيمة، فالاستبداد هو الوقود الذي أضرم الثورات!