“لا تخلدا إلى النوم وبينكما خلاف”!
هذه النصيحة أهداها رئيس وزراء نيوزلندا،”جون كي”، للعروسين وليام وكيت، ساعة الزفاف الأسطوري، الذي تابعه أكثر من ملياري مشاهد.(ثمة أسطورة أخرى تابعها الملايين بعد ذلك، هي مقتل أسامة بن لادن من قبل القوات الأميركية، غير أن لا رومانسية هنا!) وهي نصيحة لا يجب أن تكون محصورة بين الزوجين، بل بين كل الناس.
قبل أيام كنت أهاتف أم غنوة، زوجة الأديب الراحل محمد صادق دياب، فكانت تحدثني عن عظمته، وقالت: كان يحدث بيننا ما يقع بين الأزواج من خلافات بسيطة، لكننا قضينا أربعين عاماً دون أن ننام ونحن مختلفون!
ومن نام وهو مسامح مرتاح يشعر بالألفة للحب الذي يعيشه، والتسامح بالمناسبة لا يفيد الآخر فقط، بل يفيد الذات بشكلٍ أساسي، والذين لا يسامحون، أناس لا يحبون أنفسهم. والله تعالى وصف نبيه بوصفٍ أخّاذ حين قال كما في سورة القلم:”وإنك لعلى خلقٍ عظيم”، حين جاءه الملك وعرض عليه أن يطبق جبلي الأخشبين على قوم النبي الذين طاردوه بالحجارة وأدموا عقبيه، فقال قولاً مدوّياً:”اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”!
الناس أيها السادة ليسوا مكائن تنتج الصواب دائماً، بل هم مزيج من الأخطاء والهنّات، والعثرات، ربما تؤثر أزمة اقتصادية على مستقبل زواج كامل، وهذا يعود في نظري لسوء حكمة إحدى الشريكين، وأعظم ما أنجبته البشرية من حكم تلك “الشعرة” التي ابتكرها معاوية بن أبي سفيان، والتي يصعب قطعها حين يكون الشدّ متزنا، حين ترى الطرف الآخر مشدوداً بادر بالإرخاء، وهو يجب أن يعلم أنك حين تكون مشدوداً ومتوتراً يفهمك فيبادر بالإرخاء، ومن دون هذا التفاهم بين الناس والبشر لن تصفو حياة، ولن يلذ للإنسان عيش. لدى الإنسان بالحد الأقصى، في الأحوال الطبيعية، 70 سنة لعيشها، فلو عادى 70 شخصاً فقط فإن حياته مهدرة حتماً، ولهذا يموت كئيباً حسيراً، لكن الذين يسامحون ويغفرون، هم الذين يحافظون على حياتهم، وبيوتهم، وعشّ حبهم. وأظنّ أن تلك الحكمة التي أهداها رئيس الوزراء النيوزلندي أثمن من كل هدية!
قال أبو عبدالله غفر الله له: وحين يكون الإنسان سبّاقاً إلى الحب، لا يمكنه أن ينام إلا عن طيب خاطر، متوسداً مخدة السماحة، ملتحفاً برداء الغفران، فهو يقلب رأسه على فراشه، مبدياً اعتذاره المتاح والسهل لكل من ظنّ ولو ظنّاً بسيطاً أنه أخطأ عليه. الإنسان يا لروعته؛ ليس آلة صماء تتحرك بلا مشاعر، بل هو خليط من الماء والدم، من الخلايا والمؤثرات، هو جسد وكائن متفاعل، فيا كل شريكين على هذه الأرض استثمروا ينبوع حبكم في حراسة عش زوجيتكم.
باختصار أقول ما قاله الرئيس جون كي: “لا تخلدا إلى النوم وبينكما خلاف”!