أكثر جهاز يلازمنا ويتقلب بين أيدينا هو “الجوال”. هذا الجهاز الصغير، الذي أغنانا حتى عن ساعة اليد، التي نلبسها شكلاً ولا ننظر إليها إلا قيلاً. أغنى كثيرين عن أجهزة التنبيه من النوم، والبعض يستخدمه كأداة لتسجيل الملاحظات، هذا غير المحادثات والتواصل و”القروبات العائلية: وبرامج المحادثة الثنائية والجماعية، باختصار إنه ثورة مدهشة وبديعة. لكن حديثي لن يكون عن الدردشة، أو عن الإيميلات، بل عن الاتصال، وآداب التعامل مع جهاز الجوال الذي لا يستغني عنه أي إنسانٍ في عالم اليوم.
اتصل أحد الذين منحهم الله بساطة في تناول الأمور، على أحد الظرفاء، وحين سئل المتصل عن اسمه لم يجب، وقال مستغرباً: سامحك الله! ما عرفت صوتي، فردّ صاحبنا الظريف: وهل أنت محمد عبده أو عبدالحليم حتى أعرف صوتك؟ قل لي من أنت لتوفر على نفسك دقائق المكالمة على أقل تقدير، نموذج هذا الشخص البسيط الذي يتصل على كل الناس وهو يظنّ أنهم يعرفونه، وحفظوا رقمه، ووضعوا له نغمةً خاصة يتكرر في حياتنا يومياً، فهم يفتنون وينبّهون في كل يوم مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
نموذج آخر؛ شخص مع زملائه في استراحته متكئاً على أريكته لا يلوي على شيء، يفاتح أصدقاءه أنه قد وجد رقم فلان، يقترحون عليه- من شدة الفراغ وسطوته- أن يتصل، وحين يبدأ المكالمة لا يدري هو سبب المكالمة أو هدفها، يلفّ ويدور، إلى أن تضطر أن تسأله عن سبب الاتصال؟ ثم يبادرك قائلاً: والله حبينا نسلّم! كأن الجوالات وضعت لتبادل السلام بين طرفين لا يعرفان بعضهما، لكنهما لا يستطيعان أن يستفيدا من الاتصال في فتح نقاشٍ، أو بدء حوار مثمر، أو الحديث حول موضوع معين، بعد أن يُستأذن الشخص المُتصل عليه فربما كان مشغولاً!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا شيء يكشف قيمة وأدب الإنسان مثل حسن استخدامه لجواله، حين نريد شخصاً نخبره برسالة نصية أننا نريد الحديث معه، ثم نسأله ساعة الاتصال هل الوقت مناسب؟ ثم نخبره بالموضوع وطبيعته وهل يمكن نقاشه في هذه المكالمة؟ أم يؤجل الحديث عنه إلى وقتٍ لاحق، أو يحول النقاش حوله إلى البريد الإلكتروني!
أزمتنا مع الجوال جزء من أزمتنا في الآداب التي نتعامل بها مع بقية الأجهزة والتقنيات الأخرى من “كاميرا الجوال” إلى آخر جهاز وصرعة تقنية حديثة!