تحدثتُ في المقالة الماضية عن المؤسسة الدينية، وكيف أن ضعفها يعني صعود وتيرة العنف، وبقوتها يرتد جحفل العنف بجدار منيع عصيّ على الاجتياز، بل ويمتنع على العاتيات من الرياح الإرهابية والأصولية. أعتقد أن هذا الأسبوع شهد أكبر جدل يتعلق بالمؤسسات الدينية ودورها خلال العقود الماضية، وذلك حينما فجّر الملك الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز غضبه أمام العالم، بما فيهم العلماء المسلمون، متسائلاً عن سرّ هذا الركون إلى البرود المخيف تجاه الأحداث الجارية والمستجدات الدموية. قالها الملك بوضوح؛ هناك تكاسل وتخاذل وبرود من قبل الفقهاء والعلماء المعتبرين، مقابل نشاط منقطع النظير تقوم به أيقونات الحراك الأصولي الإسلامي الدموي. الإمارات بدورها وهي الدولة الرائدة بمجال نشر التسامح والخطاب المعتدل ومكافحة الإرهاب، أيّدت هذا الموقف السعودي، وهذه شراكة أخوية وفكرية استثنائية في الخليج، ولو تأملنا ودرسنا خطابات رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، وولي عهده الأمين الشيخ محمد بن زايد، والمسؤولين الإماراتيين كافة، لوجدنا الفحوى الجوهرية لكل قولهم يعنى بموضوع التسامح والسلام والعيش المشترك ونبذ ثقافات العنف والاستئصال وأدبيات الدماء والحرب. نتذكّر رجل السلام الراحل الشيخ زايد بن سلطان الذي قاد مبادرات جمّة لحقن الدماء في فلسطين، ومن ثم في العراق قبيل الغزو الأميركي عام 2003، كان سبّاقاً ذكياً ساعياً بشكل حثيث نحو نشر السلم والأمن وزرع النماء والاستقرار في المنطقة والعالم. من هنا يكون الموقف الإماراتي تجاه دعوات السلام ونبذ العنف، وآخرها الموقف من دعوة الملك وصيغة التأييد المطلق والاتفاق التام. ثم إن السعودية والإمارات لم تكونا بعيدتين عن الاهتمام بمواجهة الإرهاب، إذ تُكتشف في الدولتين سنوياً خلايا إرهابية عدة، وتقومان أمنياً واستخباراتياً بإحباط العديد من مخططات التفجير والتآمر ضد المجتمع وبعض المؤسسات الحيوية، لهذا يكون الحديث ضد الإرهاب ليس تدويراً للكلام واستهلاكاً للإعلام وضخاً لخطاب مستهلك في الآذان، بل هو موقف نابع من خبرة تامة بالسلوك الإرهابي والمخطط الدموي والتآمر «القاعدي» و«الإخواني» و«الداعشي». أثبتت الأحداث الأصولية أن المؤسسة الدينية الرسمية عليها العبء الكبير في ضرب خلايا الإرهاب وأفكار العنف وأيديولوجيا الموت وثقافات النزاع والصراع، حين تقوى هيئة كبار العلماء في السعودية ومؤسسة الأزهر في مصر وسواها من مؤسسات الفتوى الرسمية، فإن الإرهاب يكون محصوراً ضمن شرذمة يسهل القضاء عليها وضربها ودحرها. قدر خطاب الاعتدال أن يحارَب من التيارات الأصولية، أضرب مثلاً بموقف الشيخ عبدالعزيز بن باز من الصلح مع إسرائيل أو من حرب الخليج عام 1990، أو من الأحداث التخريبية التي حدثت في بريدة عام 1994، وكذلك عانى الشيخ محمد بن عثيمين حين تحدث عن خروج رموز الصحوة الإسلامية «السرورية» على وليّ الأمر وخطأ المناصحة العلنية، وخطر تجييش الرأي العام. آن الأوان أن تعود تلك المواقف الرائدة للمؤسسة الدينية لتكون نبراساً شرعياً تجاه كل حدث يستجد في هذه البلدان الطيبة.
جميع الحقوق محفوظة 2019