في الأسبوع الماضي عرّجت على موضوع الإصلاح الديني، وفي هذا المقال سأتطرق إلى معاني الإصلاح الفعلي للخطاب الديني، مستشهداً بتجربة مستشرقٍ أحب الإسلام والثقافة الإسلامية، وأعني به “شتيفان فايدنر” والذي زار الدول الإسلامية وتحدث عنها، وأخص بالذكر كتابه:”الأسئلة المخفية” ففي هذا الكتاب يقترب من الإصلاح الديني للإسلام بشكلٍ كبير، رافضاً إحالة كل الشرور على الدين الإسلامي، حتى وإن كان من يقوم بالعمليات الإرهابية من المسلمين، لأن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق. فالإصلاح الديني يعتمد على نبذ التفاسير القديمة والتجديد في تفاسير الخطاب وتأويلاته وطرق تناوله. ففي كتابه:”الأسئلة المخفيّة” يقول:”إن الإسلام يعود إلى بداياته من جديد، إنه ما زال في البداية” فهو ينطلق من قراءته للإسلام من منابع صوفية، مستشهداً بابن عربي وشتى التجارب الصوفية. فالإسلام حيويته في تجدده الدائم، وكنا نتعلم منذ الصغر أن الإسلام صالح لكل زمانٍ ومكان، وهذه عبارة ليست استشراقية، بل إن المستشرقين خدم بعضهم الإسلام بشكلٍ كبير، وكانوا-حتى وإن لم يسلموا- من عشاق الثقافة الإسلامية ومن الذين أحبوها، لهذا يطرحون فكرة التجديد لا لهدم الإسلام ولا للانتقام منه بل لتجديده ليكون ضمن الحراك العالمي في التجديد الذي يأخذه شكل الخطاب الديني. المستشرقون مجموعة من الباحثين إن كان لبعضهم أهدافه الخفية فإن البعض الآخر ليس كذلك. يطالب “فايدنر” الأمة الإسلامية أن تفرق بين الإلهي وبين البشري، بين النص المقدس والوحي المحفوظ، وبين قراءتنا له، القراءة هي التي تنتج الثقافة الإسلامية، وهذه الجملة حين قال قريباً منها نصر حامد أبو زيد المفكر المصري هوجم من قبل أبناء وطنه ونفي إلى هولندا! نعم التفريق بين النص وبين التفسير، مثلاً: سورة الإخلاص نص، وتفسير ابن كثير لسورة الإخلاص قراءة وتأويل وفهم، فهو ليس مراد الله حقيقةً وإنما هي قراءة ابن كثير للنص القرآني المقدس، كما يختلف المفسرون في آياتٍ كثيرة فإن الاختلاف يعود إلى اجتهاد الإنسان في فهم القرآن، فالنص القرآني ليس ملكاً لأحد، بل هو للمسلمين وللبشرية جمعاء، ولا يمكن فرض تفسيرٍ واحد لكل العالم. الإصلاح الديني يبدأ من طريقة قراءة النص وتجديدها، بمعنى أن تفسيراً معاصراً للشيخ عبد الرحمن السعدي هو أكثر راهنيةً ومعاصرةً واحتكاكاً بالمشكلات العصرية من أي تفسيرٍ قديم، لأن التأويل يتجدد ولا يتوقف، كما أن التفسير للآيات أو قراءتها محثوث عليه بالقرآن على أنه من أشكال التدبر، “أفلا يتدبّرون القرآن” والتدبر ليس حكراً على فئةٍ دون أخرى، بل هو متاح للمسلمين جميعاً، بل وللبشرية كلها فمن حق غير المسلم أن يقرأ القرآن ويتدبره لعله يرضى ويسلم ويؤمن. الإصلاح الديني أيها السادة لئن كان أساسه في المؤسسات الدينية، غير أن “فايدنر” يفتح لنا فرصةً أكبر، حيث يضعنا في كتابه المتشعّب أمام إعادة قراءة الخطاب الديني، ثم يبدأ في التجوّل من قراءة عادات المسلمين، إلى فلكلورهم، إلى دهشته من القرآن، إلى علاقة الإسلام بالإرهاب، كلها قضايا تطرق إليها بأسلوب المتصوفة. الإصلاح الديني أصبح الآن ملحاً مع انتشار الجماعات المسلحة، وانتشار العنف والإرهاب. إذا أردنا أن نطهّر سمعة الإسلام هذا الدين العظيم مما ألصق به من قبل المتطرفين والمتشددين علينا أن نبدأ رحلة القراءة الجديدة للإسلام، وهذا ما بدأ على يد الإصلاحيين منذ محمد عبده إلى الطاهر بن عاشور، ولا يمكننا أن نفوت فرصة التغيير القائمة حالياً على المستويات السياسية من دون أن نلح على ضرورة الإصلاح الديني ونقاش الخطاب الديني والبدء في غربلة المؤسسة الدينية.
جميع الحقوق محفوظة 2019