في مسرحية “على هامان يا فرعون” يأتي عبد الحسين عبد الرضا إلى سعاد عبدالله، ويصارحها بأنه يحبها، وبأنه يحلم بها. فجأة تدخل سعد الفرج -الذي يقوم بدور والد سعاد- ونهره، وعاب عليه أن يحلم بابنته، وقال كلمته المشهورة: “إذا بغيت تحلم احلم على قدك”. تذكرت هذا المشهد، وأنا أتابع المصريين وهم يستقبلون محمد البرادعي أحد أشهر الشخصيات المصرية المألوفة في المحافل الدولية، والحائز على جائزة نوبل للسلام 2005، وهو من القلائل العرب الذين منحوا هذه الجائزة بالإضافة إلى أحمد زويل وياسر عرفات ونجيب محفوظ. كان الناس والبسطاء في المطار يستقبلونه كما يستقبلون “الأحلام”، على الرغم من التشديد الأمني، وتصريحات السلطات بخطورة التجمهر في المطار لاستقباله، أحد المواطنين ردّ عليهم: “أنتم تستقبلون اللاعبين في المطارات، نحن نريد أن نستقبل البرادعي”. لم يعلم هؤلاء البسطاء أن هناك حرباً سياسية من قبل قوالب الاستبداد العربية ضد “الأحلام”، استقبل المصريون الفائز ببرنامج سخيف على إحدى القنوات الغنائية بالآلاف في المطار في 2006. لكن استقبال البرادعي كان خطيئة. لأن البرادعي -وهو ليس مرشحاً رسمياً للرئاسة حتى الآن- يشكل كوة في نفق مظلم. يمثل بصيص أمل داخل آلاف السدود. السلطات الأمنية وهي تفرق المتجمهرين لاستقبال البرادعي- بكل ما حمله من بساطة القرية وجدية ورصانة العمل في المؤسسات الدولية- كأن تلك السلطات كانت تقول كلمة سعد لحسين: “إذا بغيت تحلم احلم على قدك”، وكأن البرادعي أكبر من أحلام المصريين. أو لا يمثل الحلم المناسب بالنسبة لهم، حسب تعبير المانعين للاستقبال، المتحكمين في أحلام البسطاء. مع أن البرادعي شخصية عامة كرمها الرئيس المصري حسني مبارك نفسه. كل الذي تفوه به البرادعي يُقال يومياً في الصحف اليومية المعارضة، لكن الاختلاف هذه المرة أن الكلام المكرر جاء من شخصية فذة نادرة، ربما تشكل خطراً فيما لو تكلمت، وساهمت في استيقاظ الأحلام. رأيت في إحدى القنوات عجوزاً مصرية في إحدى الشوارع، سئلت عن البرادعي فقالت: “دا محمد زي القمر، عاوزينه يصلح الأمور”. من حق كل إنسان أن يحلم، مهما كان الحلم مخيفاً، أن يحلم بأنه سيأخذ حقوقه يوماً ما، وسينال ما استحقه بعرق جبينه وبكد يده. من حق كل إنسان أن يحلم بالفضاء الذي سيعيش فيه أبناؤه في التعليم والصحة والفكر. خطورة البرادعي أنه أيقظ الأحلام؛ لهذا كان مجيئه مستفزاً، مع أنه ليس شخصية هامشية، عادت من برنامج منوعات، بل رجل قاد منظّمة مسؤولة عن الأنشطة النووية في كل الكوكب، وعلى امتداد القارات السبع، وكأنه لما أطل على الممانعين بوصوله المطار، كان يكرر مشهد المسلسل المصري الشهير، الذي قدم فيه عبدالله غيث شخصية بطولية تقلق اعداءه خصوصاً اذا قال لهم:” أنا البرادعي… يا رشدي”!
جميع الحقوق محفوظة 2019