لا أدري بالضبط من الذي اخترع الملف العلاقي الأخضر، ولا أدري من أي شركة يصنع وينتج ويسوق! كل الذي أعرفه أنه أكثر الملفات توافراً في كل بقالة ودكان وتموينات مهما كانت نائية. تجده في الطرق السريعة، في المحطات؛ وفي كل مكان. ويقبل عليه الشباب على وجه الخصوص، فمنذ أن تبدأ في الدراسة الابتدائية تذهب بأوراقك في ملف علاقي، وإذا أردت أن تنتقل من مدرسةٍ إلى أخرى تأخذ أوراقك بملف علاقي، في الانتقال من الثانوية إلى المرحلة الجامعية تحتاج أيضاً إلى الملف العلاقي. ويصحبك في الجامعة، وحين تتخرج تضيف على ملفك العلاقي وثيقة التخرج، ثم تبدأ رحلة الملفات. ميزة هذا الملف أنه يمثل المواطنة بشكل رائع فلونه مثل لون جواز السفر، وعلم البلاد، و”دربك خضر”!
رحلة الشاب السعودي مع الملف العلاقي الأخضر ثريّة، تستحق أن تدون في رواية، أو في تاريخ ليكون جزءاً من التاريخ المعاصر.
يومياً يشتري آلاف الشباب آلاف الملفات العلاقية الخضراء. يصورون وثائقهم، ويضعون في كل ملف نسخة. يضع الشاب في سيارته عشرات النسخ من وثائقه، وحين يلتقي أي شخص من علية القوم وأصحاب الواسطات يهديه ملفاً علاقياً مليئاً بالأوراق والوثائق وشهادة التخرج، وشهادات الدورات. أما حين تعلن الوزارات عن وظائف شاغرة فتنشب في أماكن بيع الملفات معارك ضارية، يشتري الشاب ملفاتٍ وراء ملفات.
أكثر المستفيدين من البطالة هي الشركة المصنعة للملف الأخضر العلاقي. هي الشركة التي لو قضي على البطالة ستعلن خسارتها علناً. لهذا ربما تقف شركة الملفات العلاقية الخضراء وراء أزمة البطالة، وهي التي تشجعها، وهي التي تدعم وتعين وزارة الخدمة المدنية على الإغلاق على الوظائف، وهي التي تحرض الوزارات على عدم توظيف كل من هبّ ودبّ! تخيلوا أن مئات الآلاف العاطلين والذين لا أدري هل وصل رقمهم إلى خانة المليون، تخيلوا أنهم حصلوا على وظائفهم المنشودة، كيف أن الملفات العلاقية ستكنس مع مرحلةٍ قديمة، مرحلة ملئت باصطحاب الملف الأخضر في الحلّ والترحال!
الصورة التي نشرتها “الوطن” أمس في تغطيتها لملتقى التوظيف الذي تنظمه غرفة مكة للتنمية بالتعاون مع صندوق التنمية البشرية، كان الملف العلاقي سيدها وشاهدها الأبرز. أتمنى أن ندخل مرحلة ما بعد الملف الأخضر، ليكون الشباب الغض الطري مشاركاً في الوظائف، وجزءاً أساسياً من دفع عجلة التنمية، وليذهب الملف الأخضر العلاقي.. إلى الجحيم!