علق الصديق، نبيل المعجل، قبل أيام على الآلات التي يبتاع منها الإنسان في الأسواق الغذائية بالعالم، معرباً عن كرهه لهذه الطريقة، وأنه يريد أن يتعامل مع «بني آدم»، وليس مع «ماكينة» جامدة هامدة!.
من الواضح أن حديث حلول الآلات محل الإنسان، يكاد يسيطر على المتخصصين بالتكنولوجيا والمفكرين بمصائر الإنسان وعلاقاته لها، بل تكاد التقنية أن تنزع كل سحرٍ عن العالم، وتلعب التقنية دوراً كبيراً في إدارة شؤون حياتنا اليوم، وهذا يستحق التوقف والبحث، إذ تؤثر في مجالات التعليم، والأمن، والطبابة، والتفكير، وربما تحلّ التقنية يوماً محل الإنسان.
كتب ديفيد أغناتيوس، مقالةً في «الواشنطن بوست»، نشرت في الثامن عشر من أغسطس من العام الماضي، بعنوان: «عالم روبوت، ووظائف ضائعة»، وفيها تحدث عن أن: «قنبلة «التشغيل الذاتي»، قد تتسبب في تدمير 45 في المائة من نشاطات العمل الحالية في الولايات المتحدة، التي تدر دخلاً يقدر بنحو تريليوني دولار سنويًا، بحسب دراسة أجرتها شركة مكنزي الاستشارية العام الماضي.
فقد حذرت الشركة من أن ما رأيناه الآن ليس سوى بداية التحدي، وحالياً، فإن 5 في المائة من الوظائف المشغولة، يمكن أن تدار بواسطة الآلات، لكن 60 في المائة من الوظائف يمكن أن يرتفع الإنجاز فيها بنسبة 30 في المائة في حال أديرت ذاتياً، أي عن طريق أجهزة الروبوت، ففي مجال الصناعة «يمكن أن تدار نحو 59 في المائة من الأنشطة ذاتياً بواسطة أجهزة الروبوت، ويشمل ذلك كل ما يقوم به عمال القطع واللحام». وفي الخدمات الغذائية والإعاشة، يمكن للروبوت أن يحل محل 73 في المائة من العمال».
يمكننا أن نصحو على التقنية، لنراها مدبرةً كل شؤوننا، قبل قرنٍ من الزمان رأى الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، المشغول بالتقنية المتفجّرة، بأنها قد تكون هي «ميتافيزيقا» العصر، بحيث تكون حياة الناس وناموسهم، وشغلهم اليومي، ومدار حياتهم. الآن وبعد التطوّر الجذري الاستثنائي للتقنية، باتت منافسة للإنسان، قد لاتحتاج المؤسسات ورأس المال الاستثماري إلى البشر ليصبحوا خدماً للتقنية وعالة عليها.
أجهزة الهاتف الآن الذكية تؤثر على الإنسان وتتحكم به، بل وتدير أعماله أحياناً من خلال التطبيقات المجدولة للأعمال، أو المبرمجة للصحة، أو المحذرة من خطرٍ ما. نزعت التقنية «السحر عن العالم» كما يقول ماكس فيبر. واستبدل الإنسان بها الإنسان، بل غدت أنيسه وجليسه، وصار التواصل الافتراضي أقوى وأكثر راهنيةً من التواصل التلفوني، الأمور تطوّرت وتفجّرت إلى حدٍ يصعب على الإنسان السيطرة عليه، وبالعودة إلى هيدغر، فإن التقنية مسار من التحدي والتنافس، قد تتغلب يوماً على الإنسان وترتدّ عليه، ومن ثم يضرب مثلاً بتطوّر الأسلحة والقنبلة الذريّة حينها.
يعني أن المنتج الأوروبي يفرض عليك اشتراط التغيير الذاتي على النحو الذي تبيّن في المفاهيم والمدارس المنتجة، لكنها لاتمنحك المنتج من دون شرط، بينما الأمركة هي التي أنتجت التقنية بشكلها الحالي، وبالتالي بات الجهاز، الذي يستخدمه عالم فيزياء في الولايات المتحدة، متوفر لدى أبي بكر البغدادي!
أياً كانت الفكرة والإدانة، فإن زحف التقنية وسحرها بدأت تغير من أدوات العيش كله، ولن نكون قادرين على مواجهتها، ربما تنتصر على الإنسان ويتم الاستغناء عن كثير من إبداعاته، حتى أن خبراً مهماً تم تداوله قبل أيام حول تطوير روبورت قادر على التصحيح اللغوي ولديه القدرة على التحرير، وهذا مؤشر أيضاً على تهديد حتى المهن الإبداعية التي تتعلق بالعقل لا بالعضل… تلك هي التقنية بصرعاتها التي لن تنتهي.