ربما انتهى العصر الذي يفترض أن يكون الرؤساء فيه قادة رأي ونماذج فكرية تقتدي بها شعوبهم· وبات عدد من الرؤساء الآن يقدمون مادة فكاهية، كفيلة بإزالة السأم وتبديد الملل، وإنهاء أجواء الكآبة، وإحالة مشاعر الاكتئاب إلى مشاعر انشراح وسعادة··· لقد بات بعض الساسة ينافسون فناني الكاريكاتير واستعراضيي الفكاهة، إلا أن الفارق أن الفنانين والممثلين يلقون بالنكات وهم ينوون إضحاك المتلقين وانتزاع الضحك من المشاهدين، فيما يقدم هؤلاء الساسة نظرياتهم على اعتبار أنها حقائق علمية سياسية ومسلمات قطعية، مع أن القطعي في الموضوع هو القهقهة التي تنتاب من يتأمل في هذه الأطروحات·
وما تكاد تهدأ عواصف تصريحات ونظريات رئيس حتى يمن الله علينا برئيس آخر ينافس سابقه في التخريفات، وربما كان التنافس والغيرة المهنية هما الدافع لهكذا هرطقة·
بالأمس كان ذاك الرئيس يوزع علينا نظرياته، وخلطته بين الشيوعية واليسارية والقومية العربية وإسلامية مزاجية، كل ذلك ممزوجاً بالكثير من الجانب الفردي غير المستقر، فالبيت لمالكه، والحصان لعالفه، والسيارة لمن يملؤها بنزيناً، ثم الولاء عربي فأفريقي فأميركي، دون حرج أو تيه في التنقل بين يمين ويسار وشرق وغرب، وأبيض أو أسود· وبعد ذلك كان صدام حسين يؤكد أنه يصلي ثلاث مرات في اليوم، وربما اختصر الصلوات الخمس لأنه صدّق ما ادعاه من أنه ينتسب إلى بيت النبوة، هذا النسب الذي ربما أكسبه غزوه الكويت إياه! مع العلم بأن الرسول الكريم عليه السلام يقول: من بطَّأ به عمله، لم يسرع به نسبه!
مروراً بالمشهد الذي بثته علينا القنوات الفضائية على خلفية محاكمة صدام في تهمة مذابح الدجيل، عندما استعرض يوم كان يمارس طغيانه يوم استعرض المتهمين بمحاولة اغتياله في الدجيل، وبينما كان أحد الشباب خائفاً يتذرع بصومه ليدفع عنه التهمة قال صدّام على سبيل التحقير: حتى الخميني يصوم! أي لو أن الصوم سينفع أحداً لنفع الخميني!!
وما نزال نتنفس تصريحات الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش التي أكد فيها أن الله أمره بغزو أفغانستان والعراق! ومحاولة بوش تصحيح مسار هذه التصريحات بقوله إن الدين يلعب دورا كبيرا في حياته ويسترشد به دائما، إلا أنه لا يعتقد أن الله فضله على أي شخص آخر، وإن كان متأكداً من أنه ”مدعوم بصلوات مواطني”·
ولن تكون النهاية بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي توصلنا إلى آخر إبداعاته عندما قال إن هالة من نور كانت فوق رأسه وهو يلقي كلمته على المنبر الأممي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي· وكان نجاد قبلها كما يتردد في إيران قد بعث برسالة وقيل إنه أمر الحكومة ببعث رسالة إلى الإمام المهدي الذي ينتظر الشيعة ظهوره بعد اختفائه قبل قرون في سرداب· ويقول مذهب الشيعة إن الإمام المهدي سيملأ الأرض عدلاً وسيقيم العدل بدل الجور في الأرض بعد ظهوره·
ولدى السنة اعتقاد مشابه في حق المهدي المنتظر، وهو وإن لم يكن في مذهب أهل السنة غائباً، إلا أن أحداً لم ير زعيماً ينتظر تصويباً سياسياً من المهدي المنتظر·
جميع الحقوق محفوظة 2019