لابد أن نكون واقعيين، لنقول إن الإرهاب، وإن كان قد صنع معظمه عندنا، على الأقل بالنظر إلى كون معظم عناصره من أبنائنا، قد فاجأنا جميعاً.
لم يكن الإعلام والصحافة بعيداً عن مشهد المفاجأة هذا.
فعنصر المفاجأة كان الأبرز وعلامات الدهشة والتعجب لازمت الوجوه ردحاً من بدايات الإرهاب إذا اعتبرنا أن حبات مسبحته قد كرت بعد الثاني عشر من مايو 2003 باعتداءات شرق الرياض.
لم يكن لدينا في صحافتنا وإعلامنا خبراء في الإرهاب، وعوالمه، وبخاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن صناعة الإرهاب وبناء لبناته وصياغة تنظيماته وتعليماته لا تتم في العراء وفي الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس، بل في جنح الظلام وتحت ستار السرية والتكتم الشديدين.
كل ذلك خلق صناعة لمتابعين وحاجة لمزيد من الوقت لقراءة المزيد من العمليات ومحاولة تفكيك سياساتها، وإدمان النظر في أدبيات الجماعات الإرهابية، ونتاجها الإعلامي الذي كان حضوره بارزاً وكثيفاً.
الحملة الإعلامية على الإرهاب، كانت طبيعية وتلقائية مثل ردة فعل الشارع التي تراكمت قوة وصلابة يوماً بعد آخر. ونجحت هذه التلقائية في عزل الإرهاب والمتعاطفين معه عن المجتمع، بعد أن كان الإرهابيون مندسين بين الصفوف، متخذين من بساطة المجتمع وتدينه الفطري وسيلة للتخفي، حتى حصلت المفاصلة بالدماء.
التطور في الأداء في مواجهة الإرهاب كان جماعياً، فبيانات وزارة الداخلية السعودية كانت أكثر تفصيلاً يوماً بعد آخر، حتى أن الإرهاب ساهم في خلق منصب إعلامي جديد لم نكن نسمع به في السعودية وهو المتحدث الرسمي بلسان وزارة الداخلية، الذي بات مع الوقت صديقاً للصحافيين والإعلاميين، قريباً منهم، يفهم كيف يفكرون، ويتلمس احتياجاتهم ويعرفها ويسعى لتحقيقها وفقاً لما يتيحه الوضع الأمني بعامة.
ورأينا امتداداً للمواجهة الإعلامية الطبيعية التي قامت بها الصحافة السعودية صور قوائم المطلوبين تنشر بشكل يومي، مع بياناتهم، لتحريض المجتمع، ولو عاطفياً ضد هؤلاء، وهو ما أثمر كثيراً في تجييش الناس ضد الإرهابيين الذين ينتمون لأسر وقبائل سعودية عريقة وفاعلة في تكوين تاريخ هذه البلاد.
خلق الإرهاب تنافساً مهنياً صحياً بين الصحف السعودية، فتسابقت الصحف والصحافيون على البحث عن معلومات العناصر الإرهابية، وباتت القصة الإنسانية تحضر بوضوح في صفحات الصحف السعودية، وهي لم تكن تشكل قواماً مهماً في بناء الموضوعات الصحافية السعودية، وهو تطور لافت في الإعلام السعودي ينبغي التنبه له.
لعل من الإيجابيات التي خلقها الإرهاب في الصحافة السعودية هو كسره للحاجز النفسي بين الأمن والصحافيين، فالعلاقة التي كان يشوبها في أحسن حالاتها شيء من التحفظ، بين طرفين أحدهما يقوم عمله على التكتم على المعلومات التي يحصل عليها، والآخر على بث وإشاعة هذه المعلومات، باتت علاقة تواصل، وفهم متبادل، ولم تعد الداخلية تتعامل مع كثير من المعلومات التي تنشرها الصحافة عن الإرهاب، وهي معلومات خاطئة إلا بالرد عليها بالمعلومات الصحيحة أو بنفيها في أحسن الحالات.
جميع الحقوق محفوظة 2019