أخيراً اتضحت نتائج “ثورة مصر”، وأثبت الشباب إرادتهم من خلال التعبير عن أفكارهم وآرائهم. الجيل الذي قاد الثورة لم يشاهد حسني مبارك وهو يقود الطائرة، وهو المجد الذي يحق لمبارك أن يفتخر به لكنه مجد يستحق أن يكون قصةً أو فيلماً لكن الجيل الحالي الذي يقود هذه التظاهرات لا يريد قصصاً حربية أو معارك بطولية، بل يريد مجتمعاً مدنياً يعيش فيه الناس تحت حماية القانون تحرسهم العدالة الاجتماعية ويأخذون حقوقهم الإنسانية. السيناريوهات التي تطرح بعد تنحي مبارك لا تعنيني بل يهمني الحراك الذي يقوده الشباب وكيف أثمر عن تنازلات من قبل الحزب الحاكم، كل تلك التنازلات لم يكن الناس يفكرون بتحقيقها أبداً قبل أن ينزلوا إلى ميدان التحرير.
منذ ثورة 1952 لم يسمع الناس كلمة “البيان رقم1” لكنهم سمعوها مع “البيان رقم2” خلال اليومين الماضيين، كان التاريخ يقلب صفحةً أخرى لمصر لتدخل في مرحلةٍ أخرى جديدة أكثر غنى وشباباً، إن جيل الثلاثينيين الذين نمت أظفارهم على حكم مبارك الطويل لمصر لم يعد يهتم كثيراً بالقضايا الكبرى، بل يهتم بقضية عائلته ومستقبله، رأى الشباب أن البطالة والعنوسة والجريمة والتحرش والاعتداءات الأمنية على المواطنين رأوا أن كل تلك المظاهر قد زادت فأرادوا أن يضعوا لها حداً بشجاعتهم، ولولا الإرادة القوية منهم لما حصلوا على ما حصلوا عليه.
أعجبتني كلمة للزميل أشرف إحسان فقيه تصف الشباب في ميدان التحرير حيث قال: “هناك مليون غاندي في ميدان التحرير” وصدق، خرج الشباب بصدور عارية، الـ300 الذين قتلوا من قبل الشرطة وقوى الأمن لم يكونوا مسلحين، كانوا شباباً بصدور وسواعد مسلولة يهتفون بشعاراتهم العادية الطبيعية النابعة من إخلاصهم لأرض مصر وليس لأجندات خارجية.
أجمل ما في الشباب أنهم يفهمون أولئك المتحكّمين في الكرسي، ولكن أولئك الكبار لا يفهمونهم من هذه المسافة تنبع الكوميديا، وحينما ترددت إشاعات “الكنتاكي” رأيتُ عشرات النكت التي تطرح الإنسان أرضاً من شدة خفتها ولذتها، تخيلوا أن مليوني مصري يخرجون إلى ميدان التحرير من أجل فخذ دجاج!
لكنها الأساليب القديمة التي لم تعد تجدي نفعاً مع جيل جديد صاعد يهتف بكل قوته مطالباً بالحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية. وهنيئاً لأولئك الشباب تلك الإرادة. وما أجمل ما قاله مظفر النواب قديماً: “ولكن لمصر مواعيدها.. للصعيد مواعيده.. للرصاص مواعيده.. والنجوم هنا لا تعد.. وليس أمام البراكين في لحظة الروع سد”!