راجت قصص التوبة في نهاية الثمانينات والتسعينات الميلادية. لكن إذا تأملنا الموضوعات التي تاب أولئك الأفراد منها، فسنجد أنها التوبة من ممارسات مباحة، أحدهم تاب من حراسة المرمى، والآخر يتوب من لعب كرة القدم، وثالث يتوب من تحكيم المباريات، وأكثر عصياناً من يتوب من الغناء العادي. لكن السؤال لماذا يتوب البعض من المباحات؟! قبل أيام تداول الناس في مختلف المواقع قصة توبة رئيس روم في البالتوك، غرفة يتحدث فيها الناس لكنها غرفة افتراضية.
من أبرز الظواهر الثقافية في المجتمع أنه لم يستوعب بعد صيغة المباح، بدليل نوعية الأسئلة التي تطرح على المفتين، غالبية المجتمع يظنّون أن الحرام هو الأصل، لهذا يسارعون في الاستفتاء حول كل جديد مهما كان مباحاً وعادياً. مع أن الإباحة أصل في الشريعة بينما الحرام طارئ، والأصل في الأشياء الإباحة، بينما الأصل في العبادات الحظر والتحريم. لهذا يتوتر الناس من ممارسة المباحات بروحٍ مطمئنة يشعرون بأنهم يعصون الله وهم يقومون بأعمالٍ هي في المجمل للتسلية. المباح هو الحياة، وليس شرطاً أن تكون كل أوقات الناس على طول اليوم عبادة في عبادة، لأن لأنفسنا علينا حقاً.
يرى الإمام الشاطبي أن: “الأحكام الخمسة إنما تتعلق بالأفعال والتروك والمقاصد فخطاب الله تعالى لا يتعلق بأفعال المكلفين إذا كانت خالية من المقصد.. وأما ترك المباح على طريقة الزهاد فغير مسلم لأن الزهد في حقيقته ترك ما طلب تركه والمباح المحض ليس من هذا القبيل، وترك بعض المباحات إذا اعتبرناه زهدا فهو فضيلة من جهة ذلك المطلوب لا من جهة مجرد ترك المباح”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا معنى للتوبة من المباحات، إلا إذا كانت تلك المباحات قد صحبتها سلوكيات خاطئة سواء للذين تابوا من الإنترنت، أو من أي أمرٍ مباحٍ آخر. أتمنى أن نقرأ التوبة بمعناها الشخصي الذي يعتمد على تطهير النفس من الأحقاد والنزعات الشخصية أو من اللوثات العدوانية، لكن أن يتوب لاعب من اللعب أو حكم من تحكيم المباريات أو أن يتوب شخص من البالتوك فلا يمكن فهم تلك التوبة إلا بما صحبها ربما من ممـارسات خاطئة أو مغلوطة.