التغيير مطلب بشري، والدعاء الذي يطلب من الله أن لا يغيّر علينا، طالبتُ أن يكون بصيغةٍ أكثر حيوية ليكون :”اللهم غير علينا”، هذا هو مضمون مقالتي قبل عدة أيام. سعدتُ بالردود التي وردتني عليها، والتي تعبر عن عشقٍ اجتماعي للمعنى الجديد في شتى المجالات، وبالذات في تغيير مفهومنا عن التغيير.
وقد وردتْني رسالة جميلة من الأمير عبدالله بن فهد الفيصل الفرحان آل سعود، نقل فيها قصة طريفة: “لما كان الملك عبد العزيز في إحدى غزواته في بداية توحيد المملكة قدموا طعام الغداء وكان عبارة عن (رغيدة) وعليه قليل من السمن، قدمه شلهوب حاراً، حتى لا يتمكنوا من أكل الكثير ليبقى منه للجنود، وحين انتهوا قال شلهوب: الله لا يغير علينا، فقام سبعان، الفارس الشجاع وقال: إلا الله يغير علينا، وبعد أن استتب الأمن وعم الرخاء وكان سبعان حاضراً عند الأمير عبدالله بن جلوي في الأحساء عند زيارة الملك عبد العزيز للمنطقة، وعندما مُدّت موائد الطعام وفيها كل ما لذ وطاب التفت شلهوب لسبعان وقال: هاه يا سبعان الله لا يغير علينا؟ فقال سبعان: إيه اليوم الله لا يغير علينا مهوب يوم (الرغيدة)!
وأنا أقول الله لا يغير علينا، فنحن نعيش اليوم في نعمةٍ لا يعرفها إلا من تجرع مرارة الحياة الماضية”.
ولئن اختلفت مع آخر ما جاء في الرسالة، حيث تمنى الأمير الفاضل أن لا يغير الله علينا، غير أنني أحببتُ مضمونها الأساسي والمتمثل في التحول الزمني والاقتصادي للسعوديين، منذ الرغيدة وإلى ما لذّ وطاب، ثم إن الدنيا تغيرت منذ نصف قرن، ولو ثبتنا على دعاء سمعان وشلهوب لما رأينا هذا الازدهار الكبير، لا يمكن أن نبغض التغيير لمجرد خوفنا من المستقبل الغامض الذي يترتب عليه. التنمية الآن والنهضة والاتجاه نحو المستقبل كلها من ثمار التغيير ومن إيجابياته، فالتغيير لا يعني الرجوع إلى الوراء، كما هو مفهوم الدعاء الدارج، بل يعني التقدم إلى الأمام، إن التغيير انتقال مستمر ودائم وأبدي، والذي لا تنساه حركة الحياة، لهذا فإنني أرى أن التغيير انتقال من مرحلةٍ إلى أخرى أفضل.
وأختم بما فعله الملك عبدالعزيز الذي دخل قصرا فوجد عليه بيتاً شهيراً: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا! فأمر بتغيير البيت إلى: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل فوق ما فعلوا!
قال أبو عبدالله غفر الله له: المجتمعات المتغيرة لا يمكنها أن تصل إلى مرحلةٍ تقول فيها لقد أتممت ما أريد وآن لي أن أستريح.. الذين يستريحون ينساهم التاريخ. ونحن في السعودية نتقدم، لكن طموحنا أكبر. نمر ونتعثر ولا يعالج التعثر مثل التغيير. التغيير للأفضل!