يؤدي أكثر من مليوني مسلم فريضة الحج، ونحتفل في هذا اليوم بعيد الأضحى، يؤدي الناس مناسك الحج البدنية، من سعي أو طواف، ورمي للجمار، ومختلف المناسك؛ لكن تلك المعاني البدنية لم تشرع لمجرد الحركة البدنية وإنما لتحقيق المعاني الإنسانية العميقة التي أريد للحج أن يرسخها في ثقافة المسلمين. أن يتصلوا من خلال الحج بالآخرة من خلال الأعمال التي يقومون بها في الدنيا. الحج ليس مجرد أداء عبادات بدنية وإنما هو نسك روحيّ أولاً.
قرأتُ خطبة النبي عليه الصلاة والسلام على المسلمين في الحج، فوجدت أنها ضمت الكثير من طرق التعامل بين المسلمين، وفي وسائل إدارة دنياهم، لم تكن خطبته فقط موجهة للوعظ الأخروي، بل كانت تتعلق بشؤون دنياهم بشكل أساسي.
جاء في خطبة المصطفى: “أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون”. يتحدث النبي في خطبته الخالدة إلى أمته عن حفظ الدماء، وعن التصالح، وعن عدم الظلم، وعن الأمانة بين الإنسان والإنسان.
ثم يتحدث النبي في الخطبة عن النساء قائلاً: “أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقاً، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمون أنفسكم”.
كان همّه مع أمته أن يحصّنها من بقايا الجاهلية التي تحتقر المرأة وتعتبرها من سقط المتاع، وأوضح في خطبته أن للرجل على امرأته حقاً وأن للمرأة على الرجل حقا أثبته في ذلك اليوم الأكبر.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أيام الحج فرصة للرجوع إلى معاني الحج الإنسانية الكبرى التي وضحها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته، إنه فرصة لأن نكون أكثر تصالحاً وسلاماً، أن يحترم الإنسان الإنسان، ألا يغتصب مالاً، وأن يكون أميناً، وألا يظلم إنسان إنساناً، هذه هي المعاني الكبرى ليوم الحج الكبير. تقبل الله من الحجاج أعمالهم، وكل عام وأنتم بخير.