في الجانب الأيسر من الموصل، وبينما تشتد المعارك، وتحتدم الحرب، نزلت الصحافية الكردية العراقية شفاء كردي، مع زميلها المصور يونس مصطفى، بقدميها الناعمتين، ووجهها المبلل بالحزن، وشغفها الضاغط عليها نحو الميدان، ملبية نداء واجب صاحبة الجلالة، وبينما عينها على المعركة باحثة وموثقة تبحث عن معلومة، أو عن صيدٍ خبري ثمين، تطأ لغماً أرضياً زرعه تنظيم داعش، لتغادر روحها إلى السماء.
هذا المشهد يسهّل علينا فهم الرغبة العالمية والدولية بأن يجتث الإرهاب من جذوره، ولم يكن للسعودية أن تترك العراق بين هذه الأمواج المتلاطمة، لتحطّ في اليوم ذاته طائرة تقل الوزير عادل الجبير إلى بغداد… زيارة هي الأولى منذ عام 1990. الهدف واضح ومباشر؛ الرغبة في إعادة العراق للحضن العربي، وبحث التنسيق مع العراق، للجم مارد الإرهاب وتطويقه، بخاصة وهو يمتد على مساحات شاسعة من العراق وسوريا!
عانى العراق من سياسات تنقصها الحكمة، وفي سبتمبر (أيلول) عام 1980، صارح صدام حسين، الملك فهد، بأنه ينوي شن حرب على إيران، وحين سأله الملك عن سبب المبادرة بالحرب والبدء بها، قال إن الاستفزازات الإيرانية تزداد… نصحه الملك بألا يبدأ بالحرب من دون وجود المبرر الحقيقي. رد صدام حسين: «سأغزو إيران، وأجرّ الخميني من لحيته وأخرجه من إيران». رد الملك: «لا تجرّه بلحيته، ولا هو يجرّك من ربطة عنقك، حكّم العقل والمنطق». لم يصغ صدام لذلك، وبدأ حرباً أرهق فيها العراق ودول الخليج.
وفي عام 2003، جاءت مبادرة الشيخ زايد، التي رفضها صدام… دُقت طبول حرب أميركية ضد العراق. كانت السعودية من أشد المعارضين للحرب، لأنها تعني تسليم العراق نهائياً لإيران. دخل العراق ما يسميه الصحافي والسياسي العراقي حسن العلوي «مراحل العراق الثلاث»: البعثي، ثم الأميركي، والآن هو في الزمن الإيراني. ومن هنا تأتي أهمية زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بغية رسم خريطة تجعل من المحتمل عودة العراق إلى فضائه العربي، وهذا بالطبع ليس بالأمر اليسير.
التحدّي الأساسي يتمثل بالراديكالية الشيعية، التي تنفذ على بعض السياسات ومفاصل القرار، وبخاصة من المنحدرين من حزب الدعوة، والموالين من كل قلوبهم لإيران، والفاتحين لها الأبواب، والمشرعين لها الحدود، وليس سراً أن نوري المالكي يمثل عمود الخيمة الإيرانية في العراق، وهو لا يخفي ذلك. في تصريح له، تحدث عن أن «الأسلحة التي يحارب بها العراقيون إيرانية»، منتقداً عدم دعم الأميركيين له، وهذا يعيدنا إلى نقد مهم وجهه «صانع نوري المالكي»، وهو السياسي والصحافي المخضرم فؤاد عجمي، الذي عبر عن ندمه على تزكية المالكي، معتبراً إياه منتفعاً يقوم بتدمير وحدة العراق، ويمارس عملاً طائفياً بامتياز، من دون أخذ التنوع الديني والإثني والعرقي في النسيج العراقي منذ بدء التاريخ، في الاعتبار!
السعودية هنأت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على النجاحات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في مواجهة التنظيمات المسلحة، وقررت تسمية سفير سعودي في بغداد، وتريد أن تضع خبراتها العسكرية والأمنية بما يخدم استقرار العراق ووحدته، ويأتي التأكيد المهم بأن السعودية تقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ليس كلاماً إنشائياً، بل السعودية لو أرادت دعم «السنّة» فقط، لفعلت ذلك منذ 2003، حين كانت الساحة خالية، وذلك قبل أن تدلف إلى المشهد إيران وأذرعتها، لكنها قررت منذ اليوم الأول أنها تدعم الوحدة العراقية، وقوى الاعتدال السياسي، وتقوم بعشرات الأعمال الإنسانية؛ من بينها كفالة الملك سلمان ألف طفل عراقي، شردهم تنظيم داعش الإرهابي.
سيبقى العراق عربياً، وسيعود يوماً إلى فضائه الطبيعي، خزان الحضارة العربية والإسلامية.
جميع الحقوق محفوظة 2019