لدينا ثقافة انتقائية عجيبة، مبنية على تركيبة من الشماتة، والانتقاص، ورفض ما هو قائم، حتى يقوم ما هو أسوأ، فنترحم على من كنا نلعن قبلاً! أقول ذلك وأنا أقف على مقولة لناشر عربي قام بترجمة الكثير من الكتب الغربية المهمة وواسعة الانتشار إلى اللغة العربية، وهو مالك شركة “الحوار للثقافة وللنشر”، والذي يتحدث عن تلقي العالم العربي لكتبه التي تنقل تجارب كتاب وساسة غربيين بارزين. أولى المفاجآت المتوقعة ما أشار إليه من عدم قبول بعضنا وجود قيم لدى غيرنا! يقول: “قد لا يدرك البعض أن في الغرب مبادئ وخُلُقا تتحلى بها مجتمعاته، على ما فيها من أمور لا توافق مبادئنا ومعتقداتنا. وإنما الأمر الذي كان يفاجئ البعض الصدق في التعامل، والإخلاصُ في العمل، على سبيل المثال لا الحصر. على أن الحالة استفحلت في نموذج كتاب “حياتي” للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إذ يقول الناشر: “الكتاب غني بتجربة رجل عصامي استطاع أن يرقى أعلى موقع في أكبر دولة في العالم اليوم. فيه تجارب إنسانية عاشها طفل يتيم مرت به محن كثيرة كانت كافية لأن تحرف به الطريق القويم، وتودي به إلى هلاك، غير أن الطفل استطاع أن يُصحح مساره ويشق طريقه سليماً حتى وصل إلى ما وصل إليه. غير أن عدداً ممن سمع عن الكتاب وعن نشرته العربية أو قرأها، لم يرسخ في أذهانهم عن الرجل، إلا فضيحة مونيكا لوينسكي، ولم يذكروا من ثماني سنوات من إدارته إلا تلك القصة! وكانت ترد إلينا رسائلهم بالإنترنت، وكنا نجيبهم دائما، نعم إن الفضيحة وقعت، غير أن الرجل وكتابه غني وحافل بتجارب جديرة أن يقرأها القارئ العربي ويفيد منها، مثلما قرأها عشرات ملايين القراء الأميركيين الذين اشتروا الكتاب واطلعوا على تجربة الرجل. ومثلما قرأها أبناء 30 أمة تُرجم الكتاب إلى لغاتهم. فلماذا يتخلف القارئ العربي عن قراء تلك الأمم مجتمعة، ولا تكون له بهم أسوة الاطلاع، والمعرفة، والإفادة من تلك التجربة الغنية. إنها تجربة هائلة يتعلم منها البعيدون عن السياسة الداخلية الأميركية وتركيبة الصراع في داخل أميركا أموراً شتى. فقد صار لزاماً على أبناء الأمم التي تريد أن تعيش في هذا العصر وتأخذ موقعاً فاعلاً فيه أن تتعلم دخائل ما يجري في القوة الأعظم في هذا العصر”. إن اختزال بعض القراء العرب تجربة وكتاب كلينتون في فضيحة “لوينسكي” دون ثماني سنوات حافلة ومليئة في أروقة البيت الأبيض، لهو منهج يؤكد أننا نتوقف عند السلبيات دون التقاطنا للإيجابيات. حسناً يا بني قومي، وقد وصفتم كلينتون بـ”النسونجي” والداعر وأوصاف أخرى اترفع عن ذكرها هل سعدتم بجورج بوش، الملتزم نسائياً؟! هل فرحتم بجورج دبليو بوش الذي تخلى عن العهر مع المتدربات في البيت الأبيض، لكنه مارس كثيراً منه على أرض السياسة. وأختم قبل أن يتبادر إلى أذهانكم مثل شهاب الدين وأخيه!
جميع الحقوق محفوظة 2019