بالتمر، والكليجا، والأكلات الشعبية، والعرضة الوطنية استقبلت السعودية الرئيس ترامب، لقاء يجسد التلاقي بين الثقافات والشعوب والحضارات، وبعد أن أدى العرضة باهتمام وبهجة علّق: «هذا جميل هذا… جميل جداً»، وذلك وسط نظرات من زوجته التي تراقبه وتضحك.
لقد أخذت زيارة الرئيس الأميركي زخماً كبيراً، وذلك لطريقة الاستقبال الباهرة، التي حظي بها الضيف الكبير. زيارة سترسم مستقبل المنطقة، وتقسم تاريخها، وما قبل الزيارة لن يكون مثيلاً لما بعدها، لقد تغيّر المشهد.
الأقلام والأصوات المناوئة للاعتدال تعالت بالصراخ والعويل، وذلك من خلال تيارات الإخوان المسلمين، التي تخاف من مرحلة ترامب الحاسمة ضد الإسلام السياسي والإرهاب، لذلك تعالت أصواتهم ضد السعودية والإمارات، منددين بالتحالف الاستراتيجي بين دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وبين الولايات المتحدة، رموا بكل ما بجعبتهم من سهام، لائذين بالشتم والقدح، والتبخيس والانتقاص.
لقد كان صوت الأقلام الإخوانية عالياً ضد زيارة الرئيس الأميركي، لأنهم فقدوا النعيم الذي أمّنه لهم أوباما في فترة ولايته، وتمنوا أن يستمر بحال تم انتخاب هيلاري كلينتون، الداعمة الأبرز لتيارات الإخوان بالمنطقة إبان الربيع العربي، والتي ترعى كوادرهم من الشباب والفتيات.
التيار الآخر؛ بقايا من عروبية، أراد أن يصوّت ضد الزيارة، فرشق بعبارات تدعي الغيرة على العروبة ضد المستعمر الأجنبي، خطاب قديم أكل عليه الدهر وشرب، ذلك أن التحالفات تُبنى قبل كل شيء على المصالح المشتركة، ومن ثم على تحقيق الأهداف.
والشراكة للحفاظ على الأمن القومي، بل إن أخطر الأنظمة على الدول العربية كانت تلك المتمسكة بأفكار البعث، والأنظمة العروبية هي التي غزت الدول العربية، وقتلت شعوبها، خذ العراق وسوريا مثالاً على ذلك.
الخطابات الخشبية التي تنافح عن أوهام متخيّلة لا تصنع مستقبل الشعوب، ولا تقوّي من مؤسسات الدول، أميركا دولة حليفة جاءت إلى الخليج لا بوصفها حكومة، بل بقطاعها الخاص، واكتشفت النفط الذي ننعم به، ومن خلاله بنيت المدن والصروح، وسط الصحاري القاحلة.
القمم الثلاث بالرياض أوجعت من يخافون على مصائرهم، أو يخشون على تنظيماتهم وأيديولوجياتهم، ذلك أنها ترسخ شراكة متينة وتؤسس لاتفاقيات رصينة كان أوباما قد رفضها، لأنه أراد للإخوان المسلمين الانتعاش، وتوانى عن ضرب تنظيم داعش، ودلل النظام الإيراني ورعاه وحماه، يقول أوباما عن إيران:
«إنهم أصحاب فكر استراتيجي وليسوا مندفعين، ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم ويستجيبون للتكاليف والفوائد، وهذا لا يدفع إلى القول إنها ليست دولة دينية تعتنق جميع الأفكار التي أبغضها، ولكنها ليست كوريا الشمالية. إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم على الساحة العالمية، ولا أعتقد أن لها هدفاً انتحارياً،.
ويمكن أن تستجيب إلى الحوافز»،بينما ترامب يقول عنها: «إن إيران إرهابية وسبب دمار الشرق الأوسط»، وُيجمع وزراء ترامب بما فيهم وزير الدفاع جميس ماتيس، على أن إيران هي «راعية الإرهاب في كل أنحاء العالم».
مرحلة جديدة ترسمها الزيارة فهي تؤسس لتعاون اقتصادي قوي أولاً، وثانياً إبرام الاتفاقيات بين السعودية وأميركا، لحماية المصالح والأمن القومي المشترك.
وثالثاً تقوية سُبل الحرب على الإرهاب، والمنظمات التي تنشر الكراهية وتيارات الإسلام السياسي، ورابعاً تضييق الخناق على إيران وحصارها، ولجم تدخلاتها بالمنطقة، وكل تلك العناصر تُشكل المسار العملي للسعودية وأميركا في قادم الأيام، وترامب قد تعهد بتأديب إيران، بسوريا واليمن.
زيارة الرئيس الأميركي أبهجت الخليجيين، لأن أميركا عادت لوضعها الطبيعي، قوة إقليمية، تعتبر أمن الخليج من أمن أميركا، إدارة عالجت كل الأخطاء الكارثية القاتلة التي ارتكبها الرئيس الآفل باراك أوباما، إنه رئيس جديد وشجاع، يعرف كيف يحافظ على مصالح بلاده.