يتعجّب الشيخ عائض القرني أثناء حديثه عن رحلته إلى فرنسا وبقية دول أوروبا كيف أن الكتاب لا يغادر أيدي الكثيرين في المطارات، ومحطات القطار، وفي المقاهي والمطاعم. مع أن الذين يقرؤون في أوروبا ليس شرطاً أن يكونوا مثقفين، ولهم آراء في السياسة والاقتصاد. أناس تعودوا على القراءة. يحبونها لأنها جزء من الطقوس اليومية الممتعة. جزء من الاعتياد الذي تدربوا عليه منذ الصغر. والقراءة تهدئ الأعصاب وتجمع القوى وتذهب بك عن عالم الأشياء لتضعك أمام كتابٍ يرحل بك إلى فكرة أو قصة أو تاريخ. لهذا فالغربي علاقته مع الكتاب ليست علاقة قراءة من أجل التثقف ومن ثم التأليف أو البحث والتدوين، بل قراءة للقراءة في كثير من مظاهرها وهذه قمة التحضر.
والكتاب في الغرب تجده بسهولة، من دون منع أو تعقيد. تجد أجمل الكتب وأكثرها تخصصاً في مكتبات “القرطاسية”، والإقبال على الكتاب لا نظير له، يشتري الكتاب كما يشتري الطفل لعبته، يلمسه ويقلبه ويذهب به إلى المقهى أو البيت ليقرأه، ومن ثم يأتي ليشتري كتاباً آخر، تماماً كما يشتري أي أحد سلعة ضرورية أو وقوداً لآلة. أما العربي فتجده ما إن يقرأ كتاباً واحداً إلا ويحاضر في كل شيء. في سعر الدولار. والتضخم. وارتفاع أسعار النفط. إلى أن يتحدث عن سياسات البيت الأبيض، ودهاليز الحروب النووية. والعربي أحياناً يشتري أكياساً من الكتب لا يكاد يحملها، ثم ما إن يصفها في بيته حتى يعلوها الغبار ويعود إلى التبطح أمام التلفاز، ويستحي من حمل الكتاب في المستشفى أو السوق أو في السيارة، يخشى أن يتهم بأنه “مدعي”!
الكتاب أيها السادة جزء من تاريخ الإنسان، ونذكر في النصوص الأدبية التي درسها أغلب السعوديين وصف الجاحظ الجميل للكتاب حين قال: “والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوَّد بيانك، وفخَّم ألفاظك، وعمَّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطيعك في الليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته في الحضر، وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة”.
هذا هو الكتاب ببساطة، وليت أن كل من اشترى كتباً من المعرض يحمل معه كتاباً أينما ولى وذهب، يقرأ منه ساعة انتظار صديق، أو قضاء مشوار. وما أجمل قول المتنبي:
أعز مكانٍ في الدنا سرج سابح ** وخير جليس في الزمان كتاب!