مع كل قرار تتخذه السعودية للتطوير يبرز إلى العلن صوتان اثنان، الأول ذلك الذي يقرأ كل قرارٍ بشكلٍ سلبي، ويعتبر القرار لا يحقق المطالب ولا يلبي الاحتياجات، والآخر الذي يرفض الزمن والعصر والتجديد!
الصوت الأول سقفه مرتفع، يريد كل شيء بأقصر وقت، والثاني رؤيته ضيقة، لا يريد أي تطوير، ويعتبر القرارات التجديدية قراراتٍ غربية محضة. وكأن الحياة كلها صارت مُلكاً للغرب! وكأن الكرة الأرضية، كلها، صارت غربيةً!
كلما جاءنا قرار أو أمر مهم يطور ويخدم، تصاعدت المآخذ تلو المآخذ من كل باب. إن الدخول في العصر واحتياجاته واجب إنساني ولا يعني أن المتطورين بالضرورة هم غربيون أو “مستغربون”!
حين جاء الأمر الملكي بإشراك المرأة في مجلس الشورى، ومن ثم إتاحة الفرصة لها بالترشح والانتخاب في المجالس البلدية، برز العديد من الأصوات التي ترى في إخراج المرأة من بيتها سوءا مطلقا، وترى مشاركتها في إدارة بلدها تبرجا فاضحا!
ولم يعلموا أن المرأة في العصر النبوي كانت مشاركةً في الحروب والمعارك والدكاكين والسياسة، ومستشارة ومقدرة، والنساء كنّ شريكات بكل مجالات الحياة، والمرأة تخرج وتذهب ولم يكن التحجر الذي يوجد لدى البعض اليوم موجوداً البتة.
إن هذه المحاربة الدائمة والمستميتة للغة العصر ومنطق الزمن وتحديث الحياة والمعاصرة بحجج التغريب والسفور، أسلوبٌ قديم، وعلى أربابه ـ إن كانوا حريصين على القيم ـ أن يعززوها في داخل الانسان، سواء أكان ذكراً أو أنثى، وإلا فالزمن يسير إلى الأمام، والعجلة لا تتقهقر، وإن تمنى البعض خلاف ذلك، فهذه سنن كونية، ومصائر طبعية!
في المقابل، فإن ضرب أي أمرٍ أو قرار أو أي ملمح تقدم، بالرؤية السلبية، بحثاً عن السقف العالي، يحيلنا إلى منطق اليأس، وهذا مما يشل الحياة ويعيق نموها وازدهارها.
الأشياء الكبيرة دائماً تبدأ صغيرة، ثم تكون أكثر جمالاً حين تتم، ونحن مجتمع يتطلع إلى أوامر أخرى بالتأكيد، تعود على المجتمع بالنفع والتقدم، وتضعنا في مصاف الأمم المتقدمة، لكننا نؤمن في الوقت ذاته بأن الأمور لا تأتي جميعاً، نفرح بالآتي ونطالب بما لم يأت من خلال الصحف والإعلام، وهذه من خصائص المجتمعات الحيّة.
الجميل في الأمر الملكي الأخير أن الأصوات التي عارضت، مع وجودها، غير أنها لم تحظ بتأييدٍ اجتماعي، بمعنى أن المجتمع يسكن في العصر، ويتطلع بتعطش إلى قراراتٍ أخرى، وبما يعني أن المعارضين للتطور، مع وجودهم، وعلو صوتهم أحياناً، وهذا منطق صوت المعترض دائماً، ليس لديهم الحضور الاجتماعي أو التأثير الذي يتمنونه، لهذا نحن متفائلون أكثر بهذه الدلالة الاجتماعية العظيمة!