لتطمئنّ عائلات المبتعثين، فالتهويل الذي يطرحه البعض عن انغماس المبتعث في الأماكن المشبوهة من بارات أو كازينوهات أو سواها ليس سوى صورة طرحها داعية متحمس. الصورة التي في خيال الداعية جاءت صادمةً لأكثر من مائة ألف مبتعث ومبتعثة، خلافاً لأسرهم. ارتباط الابتعاث ـ بوصفه مشروعاً وطنياً حيوياً ـ بالتشويه بدأ منذ زمنٍ طويل، غير أن التحولات التي شهدها المجتمع السعودي خلال السنوات القليلة الماضية خففت من وطأة الفكرة السلبية عن الدراسة في الخارج. هناك صغار وكبار يستفيدون من فرص الابتعاث في الخارج، وادعاء وجود مخطط ماسوني دولي لتخريب “عيالنا” و”بناتنا” من دون العالمين مبالغة صارخة!
أتفهم بشدة غضبة المبتعثين في منتدياتهم وفي منابر تعبيرهم من ذلك الداعية، تصريحه ليس سهلاً فهو اعتبر وعلى الهواء مباشرة في إحدى القنوات أن: “80% من المبتعثين والمبتعثات السعوديين والسعوديات يتعاطون المسكر”. اعتبرها بعضهم تشويهاً كبيراً لصورته كمبتعثٍ أو مبتعثة. إن الأسلوب الذي طرحه الداعية انطلق من عداء للعلم والمعرفة على أساس الرعب والشك من السفر للدراسة في الخارج، معتمداً على رؤيةٍ قديمة ترى أن الداخل السعودي خالٍ من كل محظور، وأن الخارج الغربي يغرق حتى أذنيه بالموبقات والمحاذير والشرور. إن خطأ ذهنياً كبيراً يجعلك تطلق أحكاماً عامة جزافية تجاه مئة ألف إنسان، يهتم بهم أكثر من نصف مليون بشكل مباشر، وشعب كامل بشكل غير مباشر!
إن القراءة السلبية للابتعاث تعتمد على الشك وحده لا على المعطيات الواقعية، بل على ظنون وأخبارٍ كاذبة تهزّ السعوديين المغتربين وتشعرهم بالإهانة، يذكرني هذا الداعية بنسبته هذه بشائعةٍ سرتْ بعد أحداث 11 سبتمبر من أن سجون أميركا فيها 2500 من السعوديين المقبوض عليهم هناك، وحين سألتُ الامير بندر بن سلطان وكان حينها سفيرا للسعودية بواشنطن، في “إضاءات”، حينها قال لي إن عدد المسجونين لا يتجاوز 45 سجيناً، كلهم لا علاقة لهم بالإرهاب، سجنوا بقضايا مدنية، من حادث سيارة أو قضايا قروض وبنوك. لكن تلك الأرقام التي تم تداولها تبين أنها خاطئة وموغلة في التضخيم العجيب.
قال أبو عبدالله غفر الله له: المبتعثون ليسوا كما يرى ذلك الداعية، لقد زرتهم في أنديتهم في كندا وبريطانيا ورأيتُ فيهم التوقد والحماس للعلم والمعرفة، ولا يليق بهم إطلاق التهم جزافاً، وتشويه صورتهم من شبابٍ وفتيات، وإحراجهم أمام المجتمع المحافظ. إن كل ما مضى يحتّم علينا التضامن مع المبتعثين ومطالبة الدعاة وغيرهم بالكفّ عن أعراض الناس، وأن ينشغلوا بإصلاح أنفسهم والتحدث بما فيه الخير للناس أوالاكتفاء بالصمت، ورحم الله من قال خيراً أو صمت!