كم هي مبهرة الشخصيات التي تستطيع خلق الوقت من العدم… وأنا أسأل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في القمة العالمية للحكومات، كنت مذهولاً من جدوله اليومي… يصحو مع الطيور… يمارس الرياضات بأنواعها… يذهب إلى أكثر من إمارةٍ، لنشر فرح أو مواساةٍ بترح… يسافر… يلاعب أحفاده، ويشاهد معهم التلفاز، ويقضي وقتاً للترفيه، والمتعة، والبرية.
هذه الشخصيات الفريدة تكاد أن تكون استثناءً بعالم الإدارة. قل مثل ذلك عن شخصية عبقرية إدارية مثل غازي القصيبي، رحمه الله، الذي سألته في برنامج إضاءات، عن سيل كتاباته، ورواياته، ومشاركاته الإعلامية ورزم الورق التي يكتبها، ومع ذلك هو «ذو الوزارات»، و«الوزير المرافق» للملوك، ورجل الدولة الحاذق والحاسم بإنجازاته وآثاره…
وقد أجابني أنه يقضي وقته مقسماً بالترتيب، ويحضر اجتماعاتٍ وراء بعضها بوقت واحد، وكنت قد سألت قريباً من هذا السؤال سمو الشيخ عبدالله بن زايد، في حوار تلفزيوني أجريته معه، إذ يقضي اجتماعاته بطريقة خلاقة تخلق وقتاً إضافياً ضمن الترتيب الذي يمارسه، ولهذا نراه لا يفوت حصته الرياضية، ولا حزبه من القراءة اليومية، بل يعيش إدارياً منتجاً وبنفس الوقت يمارس واجباته، وحصصه اليومية من الاطلاع، أو الرياضة، والتنزه.
من هذه الزاوية فإن الوقت أنفس ما لدى الإنسان، حين يستثمره بنجاح، فإنه يخلق إبداعاتٍ علمية وعملية، فالوقت الذي لدينا بساعاته هو نفسه الذي لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وغازي القصيبي، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد، لكن الفرق في عملية استثماره وإدارته.
غازي قال انه كان يعتذر عن معظم المناسبات، التي تُعرض عليه، وبخاصةٍ الولائم التي تقام، لأنها في غالبها لمن هو بمنصبه تعتمد على المجاملات، وتُبذر فيها الساعات، بينما يقضي مساءه بين أولاده قليلاً ثم يغرق بمكتبته كاتباً قصيدة، أو مُشيداً رواية، أو ناقشاً مقالة، أو محتفياً بمشروع كتاب فكري وسياسي وإداري ينهيه، وكانت هذه الاستراتيجية كفيلة بحفظ وقته له، ولمن هم حوله من أبنائه وزوجته…
هذه الفقرة قد تبدو حازمة، وقاسية على الآخرين، لكن المقاربة لمثل هذا النوع من التبويب للوقت، وسلوك طرق لتوفيره بما يفيد، فقد يكون منتجاً لإنجاز أعظم وأكبر.
نحن فخورون أن نعايش نماذج عليا، لأنها تعطينا طاقة هائلة على التأقلم مع كثرة المشاغل، وضغوطات الحياة، وكاتب هذه السطور يحاول دائماً الاقتداء بالكبار، فالتشبه بالكبار فلاح.
وقد سعدت أن ألتقي هذه الشخصيات وغيرها، ومن مثلها، نجاحاً وإبداعاً، وتألقاً، وحفظاً للوقت، وتدشيناً للإنجاز، فكان لها أكبر الأثر. رأيتُ الوقت فيه بركة كبيرة، حين نعرف ماذا نريد من هذه الساعة الداخلة علينا… هل نبذرها باللهو والعبث؟! أم نملؤها بما يعود علينا اليوم أو غداً بما يفيد من علم أو عمل أو بذل خير، أو القيام بعطاء؟!
الوقت هو العمر، والساعة بين أيدينا جزء من الحياة، بل وتعبر عن مرور الزمن، وتجاعيد الجباه والشيب إذا أشعل الرأس بياضاً هو حصيلة مرور الساعات بين أيدينا من دون أن ندرك، والعقود تمضي من دون أن نشعر.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في القمة العالمية للحكومات تحدث عن مستوى النجاح، الذي وصلت إليه الإمارات العربية المتحدة مع دول الخليج، بفضل الفعل قبل القول، والكل يعرف أن صاحب السمو الشيخ محمد قليل الكلام، لقاءاته الإعلامية والصحافية محدودة نسبةً إلى حاكم صنع لؤلؤة مبهرة، ويتوقع منه الناس أن يستجيب لكل طلب للكلام، لكنه يتكلم فقط بعمله، بتدشين المدن الترفيهية، تراه دائماً خلف قص شريط مشروع، أكثر مما تراه خلف ميكروفون إعلامي!.
الخلاصة أن الوقت أثمن ما نملك، وقد رأيتم كيف أدار الكبار وقتهم، كل دقيقة هي جزء من مجموع حياتك.