من الخطر أن نربط بين الموسيقى والفجور، لأن الموسيقى بحر لا ساحل له، والذي يرتبط بالفجور أحيانا هو بعض “الغناء الفاحش”، ومع أن علماء وفقهاء لديهم آراء متعددة وكثيرة حول هذا الموضوع كما في آراء ابن حزم أو الغزالي أو القرضاوي، إلا أن البعض يتحدث عن الجانب الفقهي وكأنها قضية ليس فيها إلا رأيه هو. ومع أن موضوعي اليوم ليس فقهياً، فأنا أريد أن أتحدث عن التأثير الإيجابي للموسيقى كمحفّز من محفزات العمل والإنتاج. فأقول بداية: إن كتابة المقال اليومي، عمل شاق عندما تعتاد على أن تكتب في مكان هادئ، بحثاً عن فكرة تلتقطها بعيداً عن الصخب. وهذا جوٌ يصعب توفيره كل يوم، فوجدتُ الموسيقى أفضل ما يعزلك، شعورياً، عن ما حولك من إزعاج.
وبالأمس، نشرت صحيفة (الوطن)، خبراً صغيراً في محتواه، كبيراً في معناه كعادة الأخبار التي تلتقطها بتميز الزميلة فكرية أحمد، وفيه إن “أوركسترا فنية كبيرة لموسيقى موزارت في هولندا تحولت أول من أمس إلى معمل للتجارب، حيث تدلى فوق رأس عدد من المستمعين آلات طبية حديثة وأسلاك تتصل برؤوسهم، لرصد المتغيرات التي تعتري أعصاب وخلايا المخ إبّان الاستماع إلى موسيقى موزارت”.
اللافت ما قالته المتحدثة باسم الجامعة من “أن الأقطاب الكهربائية التي تم توصيلها برؤوس المستمعين، سجلت متغيرات كبيرة، وسيتم إعلان نتائج البحث شاملة لاحقاً، مشيرة إلى أن مراكز الحس والتنبيه بالمخ قد تأثرت إيجابياً وبشدة، مقارنة بالاستماع إلى أي موسيقى أخرى، وهو أمر جدير بالبحث لمعرفة الأسباب وراء ذلك”.
من هنا فإن الموسيقى ليست ذات تأثير سلبي أو مرتبط بذهنية اجتماعية تحوله إلى مجرد محفز على الفجور والفحش، بل ربما ساهمت في إجادة العمل وإتقانه والإبداع في تفاصيله.
موزارت لمن لا يعرفه، هو موسيقي رائع امتدت حياته من (27 يناير 1756 – 5 ديسمبر 1791)، وهو نمساوي من أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى برغم أن حياته كانت قصيرة (35 عاماً)، ونجح في إنتاج 626 عملا موسيقيا. قاد أوركسترا وهو في السابعة من عمره، ولم يمش في جنازة موزارت سوى خمسة أشخاص فقط ليس من بينهم زوجته لأن الجو كان شديد البرودة.
برع موزارت في كافة أنواع التأليف الموسيقي تقريباً، منها 22 عملاً في الأوبرا و41 سيمفونية. اتسم كثير من أعماله بالمرح والقوة، كما أنتج موسيقى جادة لدرجة بعيدة، من أهم أعماله السمفونية رقم 41 (جوبيتر) ودون جوفاني والناي السحري وكوزي فان توتي و18 كونشرتو للبيانو.
هذه هي موسيقى موزارت المحفزة على الأمل والعمل والمتصلة بخلايا المخ.