يا عل من هَمِه «نشا الثوب» يفداك
واللي همومه بالبنوك الفوايد
٭٭
هذا بيت من وسط قصيدة لخالد الفيصل يمدح فيها ابن عمه سلطان بن سلمان في الثمانينيات بعد أن شارك الثاني في رحلة على المكوك ديسكفري، أهلته ليكون أول رائد فضاء عربي مسلم..
ليست المناسبة موضوع حديثي اليوم، لكن (نشا الثوب) هو القصة. فخالد الفيصل أراد ان يقول إن هناك أقواماً ليس لهم من همّ سوى نشا الثوب. والنشا هو المادة التي تساهم في جعل الثوب أو الشماغ أو الغترة أو أي ملبوس أكثر صلابة عند الكي. يزهو هؤلاء بملابسهم أكثر مما يزهون بشخصياتهم، ولذلك يعتني بعضهم بنشا ثوبه أو شماغه كما لا يعتني بأي شئ آخر..
كان خالد الفيصل يريد أن يشير إلى تباين الاهتمامات بين البشر، فمن رجل يشارك في الثمانينيات الميلادية في رحلة علمية تمخر عباب العوالم الفضائية الأخرى، إلى أناس غاية همهم في نشا شمغهم وغترهم، ومن كان كذلك فليجعله الله فداء لمن ارتقت همته وعلا همه وسمت غايته..
جميل جداً، ولكنك يا خالد الفيصل حين كتبت أبياتك تلك الموسومة ب «فاخر يا ابن عمّي»، لم تتوصل بأناس وجدوا نشا الثوب والشماغ، موضة قديمة، والتفتوا إلى أهمية الذات، ومحورية الشخصية، فصدوا عن نشا الثوب والشماغ إلى سكب النشا على أمر آخر غير ملابسهم. هؤلاء هم المنتشون الجدد والنشويون الحديثون…
إنهم من سكب النشاء بديلاً عن شماغه وثوبه على شخصيته، فأصبح يحاول أن يتلبس الوقار والاتزان وليته يمارسه تلقائياً وابتداءً، لكنه يعاقره اصطناعاً وادعاءً، و«المتلبس بما لم يعط كلابس ثوبي زور» كما في الأثر..
يتحول هؤلاء مع الوقت، لا إلى كائنات بشرية، بل إلى مخلوقات أشبه ما تكون بالريبوت، أو الانسان الآلي الذي ينقلب يميناً وشمالاً كما الضبعة كلاً واحداً..
لو اقتصر خيار هؤلاء على انفسهم، فإننا لا ولن نؤاخذهم، ومن حق كل أحد أن يختار لنفسه ما يشاء، لكنهم تحولوا إلى تبشيريين دعاة، يروجون للنشوية والانتشاء، ولذلك نقول لهم اربعوا على انفسكم، فإننا سنبقى بشراً نمارس حياتنا كما هي، دون زيف أو تزييف أو إراقة لأطنان من النشا على شخصياتنا!
أتدرون لماذا؟
لأننا بسطاء، وان اعتبرتموها في حقنا مثلبة. الفارق بيننا وبينكم، أن الله جبلنا على البساطة، فنحن نمارسها دون تكلف، أما أنتم فتمارسون ما لا تألفون، وتتعاطون مع ما لا تعرفون، وشتان بين من يألف، ومن لا يألف.. ولا حتى يُؤلف!