الصورة عامل رئيس في أنواع العمل الإعلامي المتنوعة، وكثيراً ما يُقال إن صورة واحدة تغني عن مئات الكلمات، فحديث الصورة أبلغ دائماً·
وأمامي الآن صورة تستحق التعليق فيها فتاة تمتلئ شباباً وحيوية، وترتدي فستان العمر الأبيض في دلالة واضحة على يوم زفافها، الذي عبرت عنه بابتسامة عريضة، وقد تأبطت يد والدها، واصطفت بحنان إلى جانب والدتها، وهما، أي الوالدان يعيشان لحظة عمرهما وهما يستحضران شريط العمر وذكريات طفولة ابنتهما التي تسير الليلة إلى بيت زوجها لتؤسس أسرة جديدة·
الصورة بثتها معظم وكالات الأنباء العالمية، ومع أن حدث الزواج حدث يومي في مدن العالم، وطبيعي بالنسبة لسياق الأخبار، إلا أنه لهذه الأسرة كان مختلفاً وحقيقاً بالاهتمام بالمقاييس الإعلامية·
ذلك أن الفتاة هي نادية العلمي التي دخلت عالم الأخبار لأن عرسها تعرض لكارثة التفجير على أيدي انتحاريين عراقيين بعثهم أبو مصعب الزرقاوي قائد تنظيم ”القاعدة” في العراق وما جاوره·
الصورة أُعيد بثها الجمعة الماضية عندما ارتفعت حصيلة التفجيرات الإرهابية التي هزت عمان إلى 59 قتيلاً مع وفاة والدة العروس نادية العلمي، إذ التحقت بزوجها أنيس العلمي الذي قضى في تفجيرات فندق ”راديسون ساس” خلال حفل الزفاف·
تقول الأنباء إن الأم هالة فاروقة صارعت على مدار الأيام السبعة السابقة لرحيلها آلامها وأوجاعها، وكانت تشعر بمن حولها وتسمعهم، لكنها لم تستطع أن تلقي نظرة الوداع على العروسين، فانتقلت إلى بارئها، تاركة وراءها ولدها فارس وحيداً بالمنزل، بعد أن انتقلت نادية إلى بيت الزوجية·
تضيف التقارير أنه في ليلة وفاة هالة في مستشفى عمّان الجراحي حضرت عروس عمّان نادية مع زوجها أشرف لزيارتها بعد أن أنهيا جولة لهما على عدد من المصابين الذين يرقدون على أسرّة الشفاء في المستشفيات· وأخذت نادية تقبل يد والدتها التي أصيبت بشظية في النخاع الشوكي، أثرت على حركتها وحواسها وأدت إلى ضمور في أعصابها قبل يومين، ما أدخلها في غيبوبة كاملة، وقالت العروس بحسرة :”لا تعلم والدتي بموت والدي ولا تدري ماذا جرى”· ويحاول الزوج أشرف مواساة زوجته قائلاً: يا نادية الوالدة الآن أحوج ما تكون منك إلى الدعاء لا البكاء، فيما تقف نائلة شقيقة هالة على باب قسم العناية المركزة، تقف وهي تحمل مجموعة من الصور لآخر مناسبة عائلية جمعتهما معاً وتدعو لها:”اللهم أحيِها ما دامت الحياة خيراً لها وأمِتها ما دام الموت خيراً لها”·
الجريمة دوى استنكارها بين الناس، ما دفع الزرقاوي إلى التعليق في شريط صوتي على التفجيرات في محاولة للتخفيف من آثار الاستنكار الشعبي، وقال إنه لم يستهدف العرس، بل كان يستهدف الفنادق لأنها أصبحت مقرات لأجهزة الاستخبارات الصليبية واليهودية!
ونقول إن العذر يوازي الذنب، وإن لدى جماعة ”القاعدة” والزرقاوي ضمن قائمة الكذب الإرهابية القدرة على اختراع تبريرات واهية للتعليق على أعمالهم الدموية· وقد قال إخوان الزرقاوي من شياطين ”القاعدة” يوماً في السعودية بعد تفجيرات الثاني عشر من مايو إن الهدف كان صليبياً مع أن جل المستهدفين كانوا مسلمين وعرباً· وقالوا كلاماً مشابهاً بعد تفجيرات مجمع المحيا في رمضان المبارك، زاعمين أن المجمع يقطنه عسكريون أميركيون، مع أن من فيه ليسوا سوى أسر عربية مسلمة· ستستمر تبريراتهم الواهية، ولن تنقطع بجاحتهم يوماً، وسترون···
جميع الحقوق محفوظة 2019