من خلال تتبع ما يطرح في الصحافة والإعلام، أحصيتُ الكثيرين من الذين طرحوا أسماءهم كمتنبئين بالتغيير، وهم ينقسمون إلى قسمين: قسمٌ منهم قال بعد نجاح التغيير إنه قد تنبأ به من دون براهين كتابية واضحة، أما القسم الآخر، فهم الذين كتبوا مؤلفاتٍ في تلك الإرهاصات والتي أنتجت التغيير، وإذا كنتُ في الأسبوع الماضي خصصت مقالتي عن تنبؤ جلال أمين، فإنني اليوم سأخص هذه المقالة لكتاب الصحافي البريطاني:”جون برادلي” الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حيث عبّر في كتابه:”من داخل مصر…أرض الفراعنة على حافة الثورة” عن بوادر ثورة ستحدث في مصر. الكتاب طبع سنة 2008، إنه كتاب مليء بالتحليلات الرائعة، والتي تستحق أن تكون مجال حوار وجدل! أسهب الكاتب في طرح مقدمةٍ لتاريخ مصر الحديث، منذ الإطاحة بالملكية عام 1952 ورصد القهر المخابراتي، والفوضى الإدارية والفساد والتعذيب واعتقال آلاف الشباب بذريعة قانون الطوارئ وإبقائهم في السجون من دون محاكمةٍ، خلص في كتابه إلى أن التغيرات في مصر قادمة! وبالفعل كان من القلائل الذين تحدثوا عن إرهاصات التغيير في مصر بمثل هذه المباشرة والوضوح، وبخاصةٍ أنه الكاتب الغربي الذي ينظر إلى مصر من دون أحكامٍ مسبقة، على عكس الكاتب العربي الذي ينطلق في أحكامه من انتماءاته، ومن منطقه الحزبي الضيق، لهذا أرى أنه الكتاب الذي كشف عن منطقة مهملة وغير مطروقة كثيراً في تاريخ مصر الحديث، ساحباً علاقة التغيير بغضب المجتمع الذي تحول فيما بعد إلى ثورة 25 يناير الكاسحة والتي أتت على النظام المصري من أساسه، فخرّ بنيانه من القواعد. في حوارٍ مع صحيفة “الشرق الأوسط” قال إن:”صحافيين غربيين سخروا من توقعه، قبل ثلاث سنوات عن حدوث ثورة في مصر” ولا عجب، فإن الأفكار التي تأتي نتيجة بحث طويل وتصدم البعض هي التي تؤثر كثيراً، على عكس الأفكار التي لا تثير الناقدين، بل والساخرين. كان برادلي قد تنبأ في كتابه باندلاع احتجاجات شعبية ضد مبارك منذ سنة 2008 واعتبر أنه وعلى الرغم من توقعه بذلك، مع كل تنبؤاته تلك غير أن ماحدث فاق تنبؤه بمراحل لأن الثورة جاءت عارمة ومفاجئة وحاسمة. رأى في كتابه أن مصر على مشارف ثورة مضادة لثورة الضباط الأحرار سنة 1952 متخذاً من رواية وفيلم “عمارة يعقوبيان” نموذجاً لتحليل التحول الذي مر به المجتمع المصري، من خلال اتجاهه نحو البطالة والقهر، واللجوء للجماعات المتطرفة لغرض كسب المال، ولتسهيل بقية متطلبات الحياة. هذا الكتاب يوجز لنا آلام المصريين، ولن أقول أنني تنبأت بذلك، لكن أذكر أنني كتبت مقالةً في صحيفة “الوطن” السعودية منذ سنة ونيف بعنوان:”أوجاع المصريين” وبما أنني أحب مصر ولدي حميمية وجدانية مع هذا البلد العظيم كنتُ أتألم للهوان الذي تسبب به السياسي في نفوس بعض المصريين، وهو في هذا الكتاب يوضح كيف أن الإخوان المسلمين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر سقوط النظام ليمسكوا بالسلطة! ما حدث في مصر سيدخل العالم العربي إلى مرحلة “ما بعد تغير مصر” ومع إيماني بأهمية “ثورة الياسمين” التونسية، غير أن ما جرى في مصر جاء في مكانٍ له رمزية تاريخية وحضارية عربية، ولا ننسى الكثافة السكانية والريادة الثقافية والفنية. كل الأمل أن لا تسلم السلطة في مصر إلى أي تيارٍ له أطماع لقهر الأقليات، سواء كانت حركة الإخوان المسلمين أو غيرها، وأن تكون مصر للمصريين، وأن يدخل المصريون إلى وطنهم الحي والمتحضر إن شاء الله آمنين! تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019