بعد مقتل بن لادن، جاء مذيع عربي إلى أميركي سعيد بصحبة أصدقائه وسنّه قد ناهزت العشرين، سأله المذيع: هل فرحت لمقتل بن لادن؟ قال: أنا لا أفرح بمقتل أحد، لكنني سعيد بزوال الخطر الذي كان يمثله.
هذه الكلمة التي تعبر عن مستوى أخلاقي رفيع جاءت من شاب ليس بالضرورة أنه مثقف، أو قرأ في الأخلاق، لكنه جاء من ثقافة عريقة أخلاقياً، نشأ على احترام الإنسان، حتى العدو أو المجرم بعد أن يموت. وقفت بنفسي على مآسي تفجيرات الرياض 2003، التي كانت بتوجيه مباشر من بن لادن، وانتقدته في حياته، وكتبت مقالاتٍ كثيرة عنه، لكنني هنا أتحدث عن المستوى الأخلاقي الذي نتناول به الحديث عن عدو كان يهدد حياتنا ودولنا، قبل أن يهدد الولايات المتحدة.
سمعتُ مسؤولة أميركية تقول: “إن وفاة بن لادن ستشفي غليل الضحايا الذين قتلهم بن لادن في 11 سبتمبر”، وهذا المنطق لا يعجبني، لأن القضاء على بن لادن وإن كان مهما في مكافحة الإرهاب، لكن حين يسقط العدو الذي يهددك فليس من النبل أو الشهامة أن تعتقد أن قتله “يشفي غليلك”!
إن ربط قتل بن لادن بـ”عزاء الضحايا”، الذين قضوا نحبهم فيه الكثير من التشفي وروح الانتقام.
تحدثنا عن صدام حسين واعترضنا على توقيت شنقه، وعلى الطريقة المذلة التي مورست ضده أثناء إعدامه، واليوم نتحدث عن بن لادن ونعترض على المواقف غير الأخلاقية التي عقبت مقتله، أو لنقل المواقف المخلوطة بالانتقام وإرادة التشفي.
لنتذكر عدو النبي الأول وهو عبدالله بن أبي بن سلول، على الرغم من كل الأذى الذي نال الرسول منه، والتآمر الذي كان يمارسه ضده، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استغفر له، وهذه الصيغة الإنسانية التي طرحها النبي تعبر عن خلق عظيم يتعالى مع كل العداء عن النزعات الذاتية، وإرادة الانتقام والتشفي والتلذذ بمقتل الأعداء.
قال أبو عبدالله غفر الله له: والوقائع والأحداث الحالية تحتم علينا أن نكون موضوعيين حتى مع أعدائنا، أو مع المجرمين، فلو كان الانتقام وحده، أو التشفي والتلذذ بمصائر الآخرين، من الأعداء والمجرمين، خلقاً سوياً لما نفرت منه ثقافة الشاب الأميركي الأخلاقية، ذلك الأميركي الذي قد يكون هدفاً لتنظيم القاعدة في أي وقتٍ، غير أنه لم يتردد في الامتناع عن الفرح بمقتل شخص، بل اكتفى بالاحتفال بزوال خطر كان يمثله بن لادن، وبين هذه وتلك، فرق أخلاقي واضح!