ستمر ذكرى رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله في هذا الشهر الكريم، والأحداث التي تعصف بالعالم تحتاج إلى رؤيته وحنكته. قدم رحمه الله مبادرة لمنع الحرب ضد العراق، عبر تنحي رئيسه السابق صدام حسين، فأدار صدام ظهره للمبادرة، فانتهى في حفرة ثم في قفص، ثم شنق صبيحة عيد الأضحى! الأحداث التي تجري حالياً تذكرنا بعدالة الحاكم، أن يكون الحاكم ضمن شعبه لا منفصلاً عنهم. لنقارن الأحداث الدموية الحالية. النظام السوري يفتك بشعبه، ويقتلهم بدمٍ بارد، دماءٌ كثيرة تسيل في كل مكان. كذلك الأمر في ليبيا حيث يعادي النظام الليبي شعبه. لأن هناك فرقاً بين أن يكون الحاكم منفصلاً عن شعبه باطشاً بهم مسلطاً عليهم استخباراته، وبين أن يكون جزءاً منهم له ما لهم وعليه ما عليهم، يفرح لفرحهم ويحزن قبل حزنهم! كذلك كان زايد رحمه الله، في مقطع فيديو انتشر على “اليوتيوب”، شاهد الناس زايد وهو يتعجّب من وجود شخصٍ إماراتي لا يملك بيتاً، حينها عمل على تمليك كل إماراتي بيتاً، وأعلن حسابه للمقصرين. المعلقون على المقطع في “اليوتيوب” تعجبوا من بساطة هذا الحاكم وتماسه مع الناس، فيعامل الشعب على أنهم إخوان وأبناء لا على أنهم أبناء “البطة السوداء”، كما يفعل بعض الديكتاتوريين الذين وصلوا إلى الحكم بقوة غاشمة أو انقلابٍ عسكري. كان زايد يحاول أن يجعل من خيرات الإمارات وثرواتها الغنية موصولةً لكل بيتٍ إماراتي، فيمنحهم فرص العيش الرغيد. إن عدالة التوزيع للثروة والعطاء الكبير للإماراتيين كان عنوان المرحلة التي حكمها هذا الزعيم الحكيم والقائد الذي ألهم شعبه وأعطى العرب دروساً في الحكمة والإنسانية والتسامح. فرق جلي بين حاكم يسهر على راحة شعبه، وحاكم يبحث عن وسائل لإبادتهم! لا شيء يمكنه أن يكسر نفس الإنسان مثل الذي تحيطه به الأجهزة الاستبدادية العنيفة، التي تضرب بكل جبروتها كرامة الإنسان وتهينه في مراكز الشرطة، وتفرغ حياته من كل نعيم الحرية. إن حرية الحصول على الرغيف أهم مظاهر الحرية في عالم البشر. إن كرامة الإنسان مرتبطة برغيفه وبكرامة عائلته. تخيلوا أن تلك الديكتاتوريات التي انفصلت عن الشعوب تقوم باغتصاب الفتيات، والدخول على البيوت وقتل الصغار والكبار، سفك ما بعده سفك، ثم يطالب الديكتاتور شعبه بأن يمتثل لأمره وأن يطيعه! هذا ضرب من الجنون والطغيان الذي سببته تلك الحكومات المتعجرفة. نستعيد اليوم نموذج الشيخ زايد لنعلم كم هي النعمة عظيمة أن تكون هذه البقعة بيد حاكمٍ وإن رحل فإن روحه التي ألهمت أبناءه من بعده، هي التي منحت البلد قوته وصلابته وقدرته على أن يكون مركزاً عربياً في الحكمة والإدارة السياسية الذكية والحكيمة. ” من ورّث ما مات” لهذا فإن الشيخ زايد ورّث أبناءه الذين تعلموا في مدرسته، وورث شعبه الذي عرف جيداً أن الشيخ من صنف الآباء الكبار والمعلمين والقادة، الذين لا تموت أرواحهم بل تحضر في كل إنجاز، ومع كل قرارٍ حكيم. إنه المؤسس الذي تحافظ الأمة على استعادة ذكراه، كما تستعيد أمم الأرض آباءها الملهمين، إنها الذكرى الأثيرة التي لا نستعيدها أبداً للحزن والرثاء، بل للفخر والسعادة بأن منّ الله على هذا الشعب بعدالة الحاكم ولطفه. فرق كبير بين الحاكم الذي جعل نفسه جزءاً من شعبه، وبين الحاكم الذي جعل نفسه طاغيةً ضد شعبه، لقد علمنا زايد معنى أن يكون الحاكم فرداً من الشعب بهم ومنهم وإليهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، رحمه الله رحمةً واسعة. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019