قليل هم من يدركون قدر الإعلام في عالم اليوم، وكيف صارت الأقلام والميكروفونات أسلحة في يد كل إعلامي، يدافع بها عن بلده ومجتمعه، لا يقل في ذلك شيئا عن الجندي الذي يحمل سلاحه لحماية حدود الوطن، ومن بين هؤلاء الذين حملوا سلاح الإعلام للجهاد في معركة التنوير تركي الدخيل، الإعلامي السعودي ومدير قناة العربية، فمثلما شهد تاريخ هذا الرجل في مهنة الإعلام نجاحات بارزة، مثل اختياره في العام 2010 ضمن أقوى 100 شخصية مؤثرة في العالم العربي، ومن قبلها حصول برنامجه “إضاءات” على أفضل برنامج حواري من قبل الملتقى الإعلامي العربي السادس بالكويت، وحصوله على جوائز عدة كأفضل مذيع سعودي، ولقب “سيد الحوار” في استفتاء لمجلة روتانا، فقد شهد تاريخه محطات صعبة، مليئة بالجدل تارة، والاتهامات تارة أخرى.
ولد تركي الدخيل في القصيم، وهي من المناطق التي قد يربطها البعض بالتشدد الديني، حتى أنه في فترة الطفولة كان يحلم بالسفر إلى أفغانستان من أجل الجهاد، وحال رفض الأسرة دون تحقيق رغبته، لكن يشاء القدر أن يعود الدخيل إلى أفغانستان بعد ذلك بنحو عقد من الزمان، وأن يعود إليها مجاهدا من نوع آخر، إذ سافر إلى هناك إعلاميا محترفا ومحاورا لا يشق له غبار، ليحاور الكثير من مشايخ الجهاد وكيف تحولت مواقفهم من التشدد، ويجمع هذه الحوارات في كتاب كان عنوانه “كنت في أفغانستان” ليكون سلاحاً جديداً يضيفه إلى أسلحته في معركة التنوير ومحاربة التشدد.
ويبدو ان التنوير كان مقصد الدخيل وغايته، فجاء عنوان برنامجه الأشهر على قناة العربية “إضاءات”، وهو برنامج مميز نال شهرة واسعة، استضاف العديد من الشخصيات في مجال الفن والفكر والسياسة والصحافة، وطرح موضوعات هامة تهتم في الأساس بالشأن الخليجي والعربي، وحرص تركي الدخيل في برنامجه على تنوع الضيوف في توجهاتهم ورؤاهم .. نفس الأمر ينطبق على مقالاته وأعمدته الصحافية في الجرائد السعودية والعربية، والتي لم يتخل فيها عن سلاحه التنويري، وقناعته بدور الإعلام في نهضة الأمم.
وقد مارس الدخيل الإعلام بكافة أشكاله وأنواعه، من الكتابة الصحفية إلى البرامج الإذاعية والتليفزيونية، فقد بدأ مشواره الصحفي عام 1989، واحترف العمل الصحفي منذ عام 1994 في عدد من الصحف الكبرى، كالرياض وعكاظ والشرق الأوسط، وغيرها، كما عمل مراسلا سياسيا لإذاعة مونت كارلو بين عامي 1997 و1998، ومراسلا سياسيا لإذاعة “إم بي سي إف إم” عام 1999، وبعد الصحافة والإذاعة، بدأ مشوراه التليفزيوني مع قناة العربية من تأسيسها، وهو المشوار الذي توج بتعيينه مديرا للقناة بداية العام الجاري.
ساهم تركي الدخيل في تأسيس مشاريع إعلامية هامة، مثل موقع “جسد الثقافة” السعودي، الذي يهتم بأمور الفن والأدب، وكذلك موقع “إيلاف” عام 2001، وساهم أيضا في تأسيس قناة العربية، وغيرها من المساهمات الملموسة.. لكن في الوقت نفسه كان للدخيل مبادراته الخاصة المنفردة، مثل تأسيسه مركزا خاصا معنيا بالبحوث والدراسات حول الإسلام السياسي والحركات الإسلامية، وهو مركز المسبار للدراسات والبحوث، أصدر من خلاله عدد كبيرة من الكتب التي تحوي بحوثا موثقة، وبعدها أسس الدخيل دار نشر “مدارك” التي تهتم بصناعة الكتاب العربي وترجمة مختارات من الإصدارات العالمية والتي حققت نجاحا ملحوظا في وقت قصير.
لكن هناك دائما ثمن للاختلاف والسباحة عكس التيار، فما أن حقق مركز “مسبار” نجاحا ملحوظا، حتى بدأت الاتهامات تتردد بحصوله على تمويل أجنبي، خاصة وأن اهتمام المركز انصب على الحركات الإسلامية والإسلام السياسي، فظن البعض أنه مركز أمريكي المذهب، سيكون دوره مهاجمة الجماعات الإسلامية على طول الخط، الأمر الذي جعل الدخيل يؤكد في أكثر من حديث صحفي أن المركز ذاتي التمويل هدفه هو التنوير لا التدمير، واستطاع تركي الدخيل أن يحول الأزمة إلى فرصة، إذ ساهمت تلك الاتهامات في الترويج للمركز ومن ثم توسيع دائرة المستفيدين من رسالته التنويرية.
ولد تركي عبد الله الدخيل في مدينة الرياض في السابع من فبراير عام 1973، وتلقى تعليمه بجامعة الإمام محمد بن سعود، ثم حصل على دورات متخصصة في التصوير والكتابة الصحفية وإدارة مواقع الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على درجة الماجستير من جامعة المقاصد في بيروت، ويعد الدخيل إعلاميا شاملا، عمل بالصحافة والإذاعة والقنوات التليفزيونية، وصدر له العديد من الكتب، ورغم أن مشورا الدخيل الإعلامي قد توج بتعيينه بداية العام الجاري مديرا لقناة العربية، فإن جمهوره على يقين بأن القادم أفضل وأروع.