صُنّف الكتاب الصادر، أخيراً، عن دار مدارك للنشر لسفير السعودية بالإمارات، عضو مجلس أمناء المعهد الدولي للتسامح، تركي الدخيل، بعنوان «التسامح زينة الدين والدنيا»، بين أكثر الكتب مبيعاً في معرض أبوظبي للكتاب، وأكد فيه الدخيل أن التسامح ليس خصلة تورث، بل هو طبع يُكتسب، وسلوك تصقله الأيام، وتحميه وصايا الأمهات، وهو أثمن صفات الإنسان، مشيراً إلى أن العرب علّموا أوروبا التسامح.
ولفت الدخيل إلى ما قاله المؤرخ الأوروبي غوستاف لوبون، صاحب كتاب «سيكولوجيا الجماهير»، من أن العرب استطاعوا أن يحولوا إسبانيا مادياً وثقافياً في بضعة قرون، وأن يجعلوها على رأس الممالك الأوروبية، ولم يقتصر تحويلهم لها على هذين الأمرين، بل أثّروا في أخلاق الناس، وحاولوا أن يعلّموهم التسامح، الذي هو أثمن صفات الإنسان، مشيراً إلى أن لوبون أكد أن حلم عرب إسبانيا وصل إلى السماح للأساقفة بعقد مؤتمراتهم الدينية، كمؤتمر أشبيلية النصراني، الذي عقد سنة 782 ميلادية، ومؤتمر قرطبة النصراني، الذي عقد سنة 852.
وقال الدخيل إن «الاعتراف بالإنسانية ليس عبارة نرددها في الضوء، ونمارس عكسها في العتمة، بل نظام يوجب علينا احترام كيان الآخر وخياراته، وحريته وحقوقه الطبيعية والمكتسبة، وأن نهرب من تحقيره، أو ازدراء ما يؤمن به من قيم أو أفكار ومعتقدات تختلف عما نؤمن به».
وأشار إلى أن كثيرين عجزوا عن إبراز التسامح، رغم وجود نماذج تاريخية يمكن الانطلاق منها، مثل وثيقة النبي صلى الله عليه وسلم مع مسيحيي نجران، وكتاب أبي بكر الصديق في أخلاق الفروسية أثناء القتال، وعهدة عمر بن الخطاب لأهل القدس حين فتحها، ونموذج تعامل المسلمين والمسيحيين في مصر والشام.
ورأى أنه من دون التسامح تتقلص فرص التعايش البشري المريح، بل ربما تنعدم، ويعود الإنسان إلى كهفه القديم، حيث الحروب العبثية، والانتقام الصلف، وممارسة أدوار أسوأ من افتراس النمور لفرائسها، كما ذكر الأديب الفرنسي فولتير.
ولفت الدخيل إلى أن الهويات المعتزة بذاتها، الواثقة من نفسها، أقرب للتسامح من الهويات التي تنتقص نفسها، أو لا تثق بقدراتها، إذ إن المعتز الواثق لا يحتاج لإثبات نفسه انتقاص الآخرين، ولا يخشى على نفسه من اقتراب الآخر المختلف، ولا يثير المختلف فيه مشاعر قلق وتهديد.
وأكّد أن من لا يتعاطف إيجابياً مع غيره لا يمكن أن يمارس التسامح، فاذا لم نتخيل أنفسنا مكان الآخر المختلف عنا لن نحس بما يحس به عندما نقصيه، وذلك تطبيق عملي للمقولة الخالدة: «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك».
وأشار إلى أن التطرف دمّر ما تبقى من إنسانية بهذا العالم؛ حيث قُطِعت بسببه الرؤوس، واستهدفت الأديان، فهاجر أهلها مجبرين عن بلدانها، وبقي المتطرفون يبحثون عن مزيد من الضحايا والسبايا، مضيفاً أن «الأمر المحزن أن القبح الذي مارسه هؤلاء، جرى وهم يدّعون زوراً أنهم يفعلونه بأمر من الدين، الذي لا يوقفه شيء سوى إعلان حقيقة أصالة موضوع التسامح عندنا».