نهار الأربعاء 13 يوليو الجاري، كنت على موعد مع الحزن، عندما بث إليّ صديقي سعد الدوسري عبر الشبكة العنكبوتية، رابط زاويته «باتجاه الابيض» فوقفت على مقال مؤثر وسمه سعد ب«غيداء».
كانت حروف سعد تنطق بأثر فقد غيداء على صديقتها التي كانت تبحث عمن تبشره بخطبتها فكتبت رسالة الكترونية وبعثتها للراحلة عبر الإيميل!
حركت هذه السطور النابضة بالحزن، كوامن الشجن في داخلي.
تذكرت جدتي التي كانت أكثر الأشياء أثراً في حياتي، وكيف أني بقيت بعد موتها في العام 1994 أدير محرك سيارتي وأتوجه إلى بيتها، وأدلف الباب وأدخل المطبخ حيث كانت هناك لتشرف على ضيافة هذا وتقدير ذاك، وطعام تلك، فأبحث في الوجوه عنها.
بقيت أكثر من ست سنوات، أحدثها في داخلي، وأوشك أن أسأل جدي عنها، واتنبه في آخر لحظة أنها رحلت عنا جسداً. لم أحس بأثر فقد أحد كما فقدت جدتي لطيفة، التي كانت «غيدائي» أنزل الله عليها شآبيب الرحمة.
كانت غيدائي يا سعد ولازالت «الضوء الذي يتقد في ظلامي».
لازلت أذكر أنها كانت لا تقرأ ولا تكتب لكنها رحمها الله تمتلئ حكمة تمشي على الأرض. كانت تقول لي دائماً: «يا وليدي الكلام اللين يغلب الحق البيّن». وكنت أتساءل
كيف يُغلبُ الحق؟ واليوم أيقنت بما قالته وسلمت به بعد تجارب عديدة:
كانت توزع محبتها على أبنائها وبناتها وأحفادها وحفيداتها بديبلوماسية عجيبة، ومن الأشياء التي اكتشفتها بعد وفاتها، ان كل من كان له صلة بها كان يعتقد أنه الأثير لديها، والأحب عندها، دون أن يشعر غيره بذلك.
أعلم أن البعض سيقول لي ما علاقتنا بجدتك؟ ويحضرني تعليقاً على ذلك مقولة جميلة بعثها لي صديق يحتفل بيوم مولدي، مؤكداً على ان أحد أهم اسباب مشاكلنا، أننا ألغينا انتماءاتنا الشخصية ومناسباتنا الفردية في سبيل الهم العام، فلا نحن حللنا مشاكل الأمة، ولا نحن احتفظنا بطبيعتنا كأفراد.
وأعود إلى غيداء سعد التي تذكرتها صاحبتها عندما شاهدت بريدها الالكتروني بعد رحيلها، وأقول اني بقيت اتأمل ايميل أخي وصديقي صالح العزاز – رحمه الله – حتى وقت قريب، ولم أستطع أن أزيله من قوائم العناوين الالكترونية، فليس مثل صالح يمحى من الذاكرة، وكم من غائب تبقى صورته ولا تزيل ذكراه تعاقب السنوات والأيام.
كم من مرة كتبت لصالح بعد وفاته، ومحوت. كم من مرة بعثت إليه بسلامي ومحبتي. قلت له: هل رأيت يا صالح، وطنك الجميل العظيم الذي تغنيت به وأنت تعالج في هيوستن شوقاً لترابه ورمله وبحره ورطوبته ونخيله. هل رأيت ما يفعله أبناؤه به؟ وقبل أن أبعث الرسالة، فكرت فقلت: لعل الله قبض روح أبي الشيهانة قبل أن يصدمه بالإرهاب!