كيف تريد الآخر أن يكون؟!
من أعقد ما في الإنسان تلك الكلمة الصغيرة التي يرددها دائماً “أنا”؛ فهو يحب ويكره، يريد ويستغني، يحزن ويسعد، لهذا من المتطلبات الأساسية له أن يحقق من خلال الشريك الذي يعاشره الحلم الذي يريد، وعظمة الزواج أنه خاضع لمجال الاختيار المتبادل، الشاب يختار الفتاة، والفتاة تختار الشاب. هناك اختيار مشترك، ومن أطرف المتابعات التي يقع عليها الإنسان ملاحظة التعليقات بين الشباب والفتيات. التعليق الأكثر طرافةً وحدة الذي أطلق على جبهة الشباب خلال هذه الأيام تعييرهم بملابسهم!
فالشاب لديه ملابس تقليدية عادية في الغالب، على الأقل في فترة الدوام والمناسبات، ثوب وعقال وشماغ وبقية الملابس الأخرى، وهو لبس عادي تقليدي، بل وأصدقكم القول إنه متعب وغير عملي، بعض الجيل الجديد يستغني عنه سرعان ما يعود إلى البيت، بل إن بعض الذين يعملون في مؤسساتٍ تسمح لهم بلبس آخر غير الثوب والشماغ والعقال يشعرون بالارتياح. ولكن … هيهات … فالمناسبات على قدمٍ وساق، وسيطارده زواج يضطر معه أن يلبس شماغاً “آخر بصمة”!
الخلاصة: أن الفتيات غير راضيات عن البصمات المتعددة، والاحتفاء بصور “ديفيد بيكهام” اللاعب الإنجليزي الأشقر أحرج الكثير من السعوديين، فأخفوا عيونهم الجاحظة، وراحوا يرفعون صوراً بديلة على ملفات تعريفهم. وواجهوا صور ديفيد بيكهام بالمزيد من الصدود! فأنى لسعودي أن يكون “ديفيد”؟! لكن الهجمة التي سحقت ملعب الفتيان السعوديين ارتدت عاتية. حيث فتحوا باب الإسراف في اللبس لديهنّ، وراحوا يتحدثون عن “جنون الموضة” و”العنوسة” و”غلاء المهور”! وهذه الأحداث قد نراها لأول وهلة “دردشات عادية يومية لا قيمة لها”، لكن الراصد لمعنى هذا الكلام كله يعلم أن في عمقه معنىً ودلالة!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ودلالة هذا الجدل المسيطر والمهيمن أن “العيال كبرت” وأن النمط الاجتماعي الذي فرض عليهم بات مرفوضاً من الطرفين، والكلام الذي يطرح والنقاش الناشب بين الجنسين لو أخذ اجتماعياً في الاعتبار لعرف مغزاه، لقد ملّ هذا الجيل من هذا الإسراف في حراسة التقاليد … لقد ملوا من هذا الحبس الاجتماعي المحزن … هل من وسيلةٍ إلى إنقاذ هذين الجنسين من عدم الرضا المتبادل؟!
هناك إيمان من الطرفين أن هذه العادات والسجون الاجتماعية قد طغت وفتكت، لكن هل من سبيلٍ آخر لإنقاذ هذا الجيل؟! أقول ذلك وأنا لا أريد أن أكون متشائماً مثل الصديق الأديب يحيى جابر يوم قال كلمة ضمن كلماته سيئة السمعة: كلما مرّ موكب عرسٍ أمامي، لا أرى سوى جنازة لقصة حب!