من أجمل ما خرجتُ به – أثناء تدشيني لكتاب “إنما نحن جوقة العميان” بطريقة برايل،- أنني التقيتُ إخوتي المكفوفين، واستقبلتُ آراءهم وحواراتهم حول مضمون الكتاب، أحد المكفوفين ناقشني بعمق عن الأفكار التي طرحتُها، وتحديداً فكرة “الرؤية النمطية للمكفوفين” ومن ثم انضم معه الزملاء محاوررين وسائلين بعد أن تصفحوا الكتاب بسرعة وتحمسوا له. عالم المكفوفين ليس سطحياً كما يتوهم من يظنّ أن الكفيف لم يعوّض بالحواس الأخرى التي تتضاعف مع فقدان البصر، مثل السمع واللمس والقدرة على تمييز الأماكن وعلى استنباط التوقيت حتى من دون الاضطرار للرجوع إلى الساعة.
ومن جميل ما أقرأ تلك الاكتشافات التي تسهّل على المكفوفين مواكبة الجديد على مستويات التقنية كلها، وقرأتُ قبل يومين أن: “فريق بحث في معهد جورجيا للتكنولوجيا تحت إشراف الأستاذ في علوم الحواسب الآلية التفاعلية ماريو روميرو، طور تطبيقاً جديداً صُمم خصيصاً للهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية، يتيح لضعاف البصر والمكفوفين الكتابة على الشاشة اللمسية دون النظر إليها”.
وبحسب الخبر فإن التطبيق:” الذي أُطلق عليه اسم “Braille Touch” يحوّل الشاشة اللمسية سواء للهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي إلى لوحة مكونة من ستة مفاتيح، ثلاثة على كل جانب، بحيث يوضع الهاتف الذكي في وضع أفقي بين كلتا اليدين وتوجه شاشته إلى الأمام، بحيث تلامس الأصابع الشاشة اللمسية من كلا الجانبين، لتساعد هؤلاء الأشخاص في التحكم به وكتابة الرسائل النصية وغيرها من المدخلات”.
هذا الاكتشاف يستند إلى طريقة برايل، التي اكتشفها الفرنسي لويس برايل، إذ لم تعد الطريقة مقتصرة على الورق، بل تجاوزتها إلى التقنية والأجهزة الذكية، وهذا الاكتشاف يجعل المسافة المفتعلة بين القدرات على الاستخدام للأجهزة بين المكفوفين وسواهم تتضاءل، لم يعد الجهاز الذكي حكراً على المبصرين، ومثل هذه الاكتشافات تبين أن العقل الإنساني يبقى خلاّقاً لهزيمة الصعوبات التي تواجهه في الحياة، وإذا كان الأولون قالوا: “الحاجة أم الاختراع” فإن القدرات العبقرية هي الشرط لأي اختراع.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أكثر ما يزعج المكفوفين الرؤية النمطية التي تؤخذ عنهم، وادعاء أن عدم الإبصار ينقص الوعي أو العلم أو الاستزادة والمعرفة، ها هي الاكتشافات تنتصر لهم وتضع حداً لعقوق التقنية بالمكفوفين، فتدخل على خط احتياجاتهم وتطلعاتهم لتجعلهم في صرعات العصر وموجاته كلها.