شن متحدثون في الجلسة الأولى للمؤتمر السنوي العاشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي عقد هذا الأسبوع في أبوظبي تحت عنوان:”الإعلام العربي في عصر المعلومات” هجوماً كاسحاً على ما اعتبروه إعلاماً مبتذلاً يسمم العقول ويهدم الأخلاق.
كنت أظن أن حراس الفضيلة هم فقط من الذين يتحدثون باسم الدين، لكنني فوجئت بأن هناك حراساً للفضيلة يلبسون لبوس الإعلاميين، ويتدثرون بدثار المهنية، يرجون رحمة القارئ ويخافون عقاب المعلن.
وأتحدث عن القارئ والمعلن لأنهما مدار التسويق في الإعلام، ومن رام تقديم إعلام بلا تسويق، فقد وقع في فخ التنظير، ومطب الأكاديمية التي لا تعرف إلا ترويجاً لعبارات كبيرة، ليس لها في السوق مكان، ولا في المبيعات رواج، ولا عند المتلقي قبول.
قال بعض الزملاء في مؤتمرنا الذي لابد أن نشكر مركز الإمارات على فضله في تنظيمه والدعوة إليه، في الإعلام ما لم يقله مالك في الخمرة، منتقدين المجلات النسائية، لأنها تسوّق للاستهلاك، وتُرمِّزُ الفنانات، وعندما أراد أن يفلجنا تحدث عن قنوات فضائية تروج للفساد!
لست حريصاً على الدفاع عن أحد، ولا أريد أن أقول إن إعلامنا فضائلي ينثر الخير في سطوره وصوره وكلماته المبثوثة يمنة ويسرة، لكنني أود أن أسأل السادة الزملاء المحترمين: لماذا هذه المجلات التي تنتقدونها هي الأكثر مبيعاً في أسواقنا العربية؟! ولماذا تحظى القنوات العربية الفضائية التي تصنفونها فضائحية بنسب عالية في المشاهدين وربما المعلنين أيضاً؟!
لنقل تنزلاً مع المخالف، إن الزمان فسد، فمن صنع عقول هؤلاء الرعاع الذين جعلوا هذا الإعلام المبتذل في نظر أحبتنا – حرّاس الفضيلة- في المقدمة، تسويقاً وانتشاراً؟! أليست هي بيوتنا التي تربي، وجامعاتنا ومدارسنا التي تعلِّم، وسياسيونا الذين يضعون الخطوط العريضة – إن كان هناك من يضع شيئاً- لتوجهات المجتمعات؟!
بات الفضاء والإعلام مفتوحاً، يقدم الخيارات للمتلقي، وينتصر المتلقي لثقافة المجتمع، فيختار ما يشاء، فمنذا يردع الناس عن التحول إلى القنوات الفضائلية والمطبوعات الصالحة؟!
لا أود أن أستعدي أحداً على أحد، ولا أن أبدو منتصراً للسياسي على الإعلامي، لكنني لابد أن ألفت إلى كلمة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في افتتاح المؤتمر عندما قال :”أحب أن أشير إلى أنني من الذين لا يُحملون الإعلام أكثر من طاقته، ولا يطالبونه بما لا يستطيعه، فالإعلام لا يعمل في الفراغ، ولا يتحرك بمعزل عن القوى الفاعلة في الدولة والمجتمع. إنه جزء من كل متكامل…”. وأذكِّر بأنني كتبت في هذه الصفحات قبل أسابيع أن “الإعلام العربي لا يعمل بمعزل عن مناحي الحياة العربية كافة(…) لكن الحديث عن تضعضع الإعلام، وكأن التعليم والاقتصاد والتنمية والصحة والثقافة والسياسة العربية في أحسن حال أو على الأقل في منأى عن هذا التضعضع، هو نقص في الكيل، وتطفيف في التقويم أصلاً، وما بني على باطل فهو باطل”.
ولا زلت أردد بالصوت العالي: انتهى زمن الوصاية والأبوية والرعوية عند معظم السياسيين، فمتى ينتهي عند الصحافيين؟!.
جميع الحقوق محفوظة 2019