في الوقت الذي كنت أسير في شوارع الرياض، وأشاهد لوحات إلكترونية في وسط الطرق تضع علم الإمارات إلى جانب علم السعودية مهنئة الإمارات بيومها الوطني تحت شعار معاً إلى الأبد، كانت السعادة تغمرني، وأنا عشت نحو عقدين من الزمان في الإمارات فما وجدت من أهلها إلا الترحاب والمحبة والطيبة والأصالة.
كنت أقول إن من يعيش في الإمارات تمنحه هذه البلاد إحساساً بأنه يعيش في بلده حتى يغادرها، وهو شعور يَندر أن تمنحك إياه كثير من دول العالم. 47 عاماً ليست طويلة في أعمار الدول، لكن الإنجازات التي حققتها الإمارات، قيادة شعباً، جعلتها في مصاف الدول التي تكتسب ثقتها من الجميع، والتي ينظر لها من معظم شعوب العالم، باحترام وانبهار بالمنجز الذي تحقق في هذه العقود القليلة.
في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، بدأ يتصاعد اسم زعيم له كاريزما استثنائية، سحرت كل من التقاه من الشرق والغرب، إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كانت له رؤية عبقرية حملها إلى الشعب وإلى حُكام الإمارات، فشكل اتحاداً صلباً أسس عُرى دولة فتية في عمرها، كبيرة في مكتسباتها، جريئة في مبادراتها، سبّاقة في أفكارها.
الرؤية التي كانت لدى زايد بعيدة المدى، ورغم أن الكثيرين كانوا يعتبرون حلمه صعب المنال، إلا أنه كان يعمل دون اكتراث لآراء المثبطين، حتى حقق حلماً، حاز به محبة يُجمع عليها العرب وغيرهم، قبل أبناء الإمارات.
كأني أرى زايد مبتسماً جذلاً بما حققه أبناؤه أبناء الإمارات، من بعده من منجزات منها تصنيف مؤشر passport index جواز الإمارات ليكون الأول عالمياً بدخوله 167 دولة حول العالم من دون تأشيرة، في يوم الإمارات الوطني قبل أيام.
طوال ما يقارب النصف قرن، بلغت العلاقات السعودية- الإماراتية على المستويين الشعبي والسياسي قمة التعاون، وما زلت أتذكر مثلاً، «فيديو» شهيراً للشيخ زايد مرتدياً إحرامه يتحدّث عن السعودية والإمارات، يقول بعزم الأب المؤسس وبحكمة متبصرة بالمستقبل: «نحن والسعودية، المصير واحد»!
لقد كان من أصالة الإماراتيين، أنهم وهم يحتفلون بيومهم الوطني، لم ينسوا بلدهم الثاني، السعودية، ومليكها، وولي عهده، يشرح ذلك بفصاحة وقدرة شاعر الإمارات، جمعة الغويص حين ألقى، في حفل اليوم الوطني، في مدينة زايد الرياضية، بحضور حكام الإمارات، وأولياء العهود، وعشرات الآلاف من الجمهور قصيدة وطنية قوية، جاء فيها:
بين السعودية وبين بلادي خرت عروش الواهم الحلمان
نحن الإمارات بكثافة مجدنا هناك تكسر رقبة الطمعان
وقفاتنا للمملكة مصفوطة لا شك لا ريبة ولا بهتان
والله بذرى سلمان أمن بيته ومليار مسلم برقبة سلمان
ومحمد العود الإمام القادم حديث ثابت في كتب الأزمان
ما صوعت راسه وراس جدوده قوات عثمان ونسل عثمان
هذا الوجدان العفوي، غير المتكلف، المنساب من ألسنة أهل هذا البلد الطيب، عنوان لمشروع التحالف السعودي الإماراتي الذي يخلق جهوداً متضافرة تمخر عباب الفتن، وتدمّر خطط الظلاميين، تضع أساس الاستقرار في منطقة تموج بعدم الاستقرار. إنه تحالف يعيد صوت الاعتدال للخطاب الديني، ويؤسس منطق الدولة الوطنية، وفكرتها ودعائمها، وينتشل الدول الصديقة من الفوضى، يكسر عصا المتمردين ورعاة الإرهاب، ويعيد ماء العروبة لوجهٍ لا جمال له من دونها.
ولئن صوت الاعتدال، يُخيف المتطرفين، جماعاتٍ ودولاً، فليس غريباً أن تجد أنصار الفوضى، وأصحاب الولاءات العابرة للحدود، وغير المؤمنين بمبدأ الوطن، غاضبين على السعودية والإمارات، محتجين على تقاربهما، فهو يهدم مشروعاتهم، ويقف في وجه رعايتهم للفوضى، وتبنيهم للتطرف!
آلاف من السعوديين احتفلوا باليوم الوطني الإماراتي بحماسٍ شديد وبمحبة غامرة، أعلام الإمارات ترفرف بالمملكة، وصوت الأغاني الوطنية الإماراتية تصدح بالمطارات والمطاعم والمقاهي، ويحتفل بها الناس بفرحة ومحبة وصدق.
المدن السعودية ازدانت بصورة الشيخ زايد، والشعار يردده الأطفال قبل الكبار في أنحاء المملكة وهم يحتفلون أمام الشاشات مع أهلهم بالإمارات: «#عزكم_عزنا».
إنها ليست حكاية منمقة تُروى دون أصل، بل وحدة أجساد، وتلاقي عقول وأرواح، وخوض مشترك لمعارك تنموية وفكرية وعسكرية. نعم اختلط الدم السعودي بالدم الإماراتي، ونبت من دم الشهداء من البلدين الذين دفعوا ثمن السيادة والاستقلال وحماية الوطن، نبت منها حياة للناس، ومزيد ولاء للوطن وقياداته، ومكتسبات الدولة. ولا أحسب في المنطقة، اليوم، تعاوناً بين دولتين كما التعاون بين السعودية والإمارات.
اليوم الوطني الإماراتي، عيدٌ لكل من يؤمن بقوّة الإيجابية أمام السلبية، وقوّة الأفعال أمام الشعارات، وانتصار الإنسان أمام الوهم والضياع، ودعم الإيجابية أمام السلبية والتخاذل.
مناسبة تمنح أبناء هذا البلد السخي تذكاراً يوازي في البهاءِ الخلودَ، وعزماً يعانق السماء، وبصيرةً نافذة، وقلباً محباً لا يدخله الريب. تهنئة صادقة للإماراتيين بهذا اليوم المجيد، تهنئة من القلب للقيادة الحكيمة، والبصيرة الرفيعة، عالية السمو.
للعقل النابه الذي يقدح مبادرات عظيمة بعظمة رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد الذي نهل الحكمة من الراحل الكبير الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، وسار على نهجه، نهج زايد، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لقد قدمت الإمارات نموذجاً نقيّاً صادقاً وملهماً يُقتدى به، وحكايتها حكاية الأمل والطموح الذي يوحّد الأهل والأصدقاء والحلفاء. ويبقى عنوان مجده «البيت متوحد».