من بين السجالات التي تدور في المجالس عادةً الحديث عن الإعلام المحايد. هذا يُقسم أن تلك القناة محايدة، والآخر يرد بقسمٍ أغلظ على أن الحياد موجود في القناة تلك، والحوار والصراع على حيادية القنوات؛ وهل أن هذه الوسيلة الإعلامية أو الصحيفة أو الجريدة الإلكترونية محايدة أم لا يتصاعد! ينسون أن الاصطفاف بين وسيلتين أو مطبوعتين هو اصطفاف له ظروفه الشخصية، وله ارتباطه بالذوق، والذوق تتحكم به الحالة الفكرية للإنسان أو الثقافية أو الاجتماعية، والجدل لا ينتهي هل أن الوسيلة الإعلامية “س” محايدة أم أن الوسيلة “ص” أكثر محايدةً وأقل انتماءً واستقطاباً.
لستُ مع مصطلح “الإعلام المحايد” لكنني مع الإعلام الموضوعي، لأن أي تناول لأي قضية يعني التصرف فيها مهما كان التصرف قليلاً أو المعالجة طفيفة، لكن التصرف يجب أن يكون موضوعياً، حيث لا يفتئت الإنسان ولا يزيد ولا يضخم ولا يهيّج، حتى لا تكون المطبوعة متوافقة مع متطلبات الهتيفة. لأن مسألة الحياد صعبة وغير موجودة أصلاً، حين تتناول حدثاً مثل “حريق جدة” مثلاً، من الصعب على المراسل أن يكون محايداً بمعنى أنه مصمت ومثل الرجل الحديدي، لا يقول شيئاً أثناء تغطية الخبر، لكن من السهل عليه أن يكون موضوعياً، أن يستضيف مدير التعليم، وكذلك أحد ذوي الضحايا، وتطرح وجهات النظر على الجريدة أو القناة أو أي وسيلةٍ إعلامية، هذا هو الفرق بين الموضوعية والحياد. فالإنسان ينتمي، وإن كان انتماءً غير واعٍ، أثناء نقل الخبر، والمراسل في النهاية إنسان من عروق ودم وله مشاعره، فهو ليس جماداً!
كما أن تعدد الخيارات يعني أن هناك أذواقا متعددة، حين تكون أمامك ستون جريدة رياضة بالتأكيد ستختار واحدةً، ويشتري صديقك جريدةً رياضية أخرى، وهكذا، ولكلٍ منكما وجهة نظره حول مميزات كل من المبطوعتين، غير أن عدم شرائك لهذه الجريدة لم يضرّها، فالذوق هو الفيصل وهو نعمة، أن تحب المطبوعة “س” بينما الآخر يفضل المطبوعة “ص”، فالأمر سهل ويسير وصحي.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا نحتاج إلى معارك داحس والغبراء حول الإعلام المحايد، بل إن الحياد موجود فقط باللفظ وهو أمنية، لكن لنصنع إعلامنا الموضوعي، فالمواصفات التي يحتاجها الإعلام كثيرة وعلى رأسها الموضوعية، أما الحياد فمن رآه منكم فليأتني به.