لطالما صمّت آذاننا عبارة “أين حرية الكلمة”؟!
وعلى الرغم من إيماني العميق بتحرير الكلمات، غير أنني لست مؤمناً بحرية الكلمة. لأن الكلمة سلطة. والنصوص سلطات كما يقول علماء الألسنيات المعاصرة. الكلمة لا يمكن أن تكون حرة. لكن يمكن أن نحرر الكلمات من استخدامات محددة. أو نضعها في أطر ومواضع معينة. مثلاً من الممكن أن نستخدم كلمة “علاج” المتداولة في الحقل المعرفي الطبي ونستخدمها في الأدب كأن نقول و”علاج” الإطالة يكون بالبلاغة والبلاغة الإيجاز. فتحرير الكلمات عبارة أكثر دقة من حرية الكلمة. الكلمة لا يمكنها أن تكون حرةً لا بد أن تكون موضع سجال.
كل كلمة -أي كلمة- هي موظّفة لضرب شيء أو لخدمة شيء. كلمات اللغو وحدها هي التي تحايد. الكلمات الحرة هي تلك الكلمات التي بلا معنى.
تشكلت لدي القناعة التي شرحتها الآن بعد أن اطلعت على كتاب بعنوان: “الفضائيات العربية ما لها وما عليها”، من تأليف: السيد الغضبان. الكتاب من عنوانه بدا تقليدياً. وهو كتاب مليء بالحس الثوري الحماسي المنفصل عن متطلبات الإعلام الواقعية. لأنه يتمنى في بداية الكتاب أمنية حالمة فيقول: “وددتُ لو صنعتُ من كل حرفٍ في هذا الكتاب وساماً أنحني إجلالاً لأضعه على صدر كل مناضل من أجل حرية الكلمة في كل زمانٍ ومكان”!
لا أدري كيف يمكن أن نناضل عن حرية الكلمة. يمكن أن نقبل هذا الكلام في حالة واحدة،أن تكون لفظة “حرية الكلمة” شكلا من أشكال المجاز الدال على الحرية الإعلامية. حينها يمكن أن نناقش هذه العبارة “حرية الكلمة”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: المؤلف -في الفصل الرابع تحديداً- يتحدث عن “الإعلام الموجه” وكأنه يفترض ضمنياً وجود إعلام غير موجه! وهذا تحرير اجتهادي غير معرفي. لأن الإعلام هو بطبيعته أداة عصية على الترويض، والإعلام علاوةً على كونه سلطة فإنه لا يدار بشكل احترافي إلا عبر سلطة قوية، وليس شرطاً أن يكون التوجيه سياسياً.
هناك قنوات لها توجهات مالية وتسير في ركب سياسي معيّن لأغراض اقتصادية. وذلك لسبب بسيط أننا في العالم العربي عبارة عن عجينة سياسية. كل شيء يدخل في السياسة. والمفكر البحريني: محمد جابر الأنصاري أصاب حينما قال: “في العالم العربي كل شيء سُيّس إلا السياسة”!.
لهذا فإن ادعاء وجود إعلام غير موجه سياسياً هو كلام ورق. الإعلام هو سلطة، والسلطات تستخدم سلطة الإعلام لبسط نفوذها. بعض القنوات-حتى الترفيهية- ربما تكون موجهة سياسياً، وليس كما رأى الغضبان. فلنحرر أنفسنا من سلطة الكلمات، ولنحرر الكلمات من ضيق التوظيف، ولنترك عنا خرافات “حرية الكلمة”!.