في أكثر من برنامج، تُستحضر القضايا التاريخية. مثل الخلاف الذي شجر في بدء التاريخ الإسلامي. والذي تفرعت عنه الطوائف، لتصبح تلك الخلافات موضع حديثٍ وجدل وتأليف منذ تلك الفترة وإلى اليوم. مع أن هناك توصية عقائدية يمكن أن تطوّر وهي الحث على: “الكف عن الذي شجر بين الصحابة”. وبهذا الكف نلتفت إلى دنيانا ومصالحنا. ونتعايش مع المختلفين جميعاً، مهما كانت مذاهبهم أو أديانهم. وبما أننا نرعى حوار الأديان في العالم والملك ـ حفظه الله ـ بنفسه يتابعه ويدعمه، فمن باب أولى أن تتعايش الطوائف فيما بينها.
التسامح مع اليهودي والمسيحي الذي استطعنا أن نمارسه يمكننا أن نطبق تسامحاً خيرا منه مع بعضنا سنةً وشيعة.
القنوات التي تحاول إعادة بعث تلك الخلافات والنفخ في الرماد لإشعال نارٍ قد هدأت لا يمكننا أن نصفها بالقنوات التي تفعل خيراً للمجتمع. تلك المناظرات التي تتحدث عن عائشة ومعاوية، وعن عمرو بن العاص والتحكيم، وعن السقيفة، وتشتعل الحوارات فيها وترتفع الأصوات لن تقدم بل ستؤخر. بنهاية المطاف سيبقى السني سنياً والشيعي سيبقى شيعياً، والأولى البحث عن المشتركات بين الطوائف. وهذا المشروع يقوده السيد علي الأمين، وهو الشيخ الشيعي الفاضل والمرجع المتبحر. يبحث منذ عقود عن آلية للبدء بتعايشِ وتآلف.
السيد علي الأمين يجعل خطاب العقل أساساً في الطرح الديني، لأن المتخاصمين في المذاهب لو حكّموا عقولهم في حمولة التاريخ الذي بين أيديهم لوجدوا أن التاريخ حمل الصواب والخطأ، الكذب والصدق، الدفاع عن الدين والدفاع عن حظوظ النفس، حينها لن يكون التعصب قائماً ومحرّكاً لأفكارنا. حتى إن بعض علماء الشيعة والسنة حاولوا الخروج بمذاهبهم من التقوقع والتعصب، لكن بقي الصوت المتطرف هو الأعلى والأقدر على التجييش للأسف!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ليت القنوات الفضائية التي تحيي المناظرات تلو المناظرات، تفتح النقاشات في التنمية، وفي الأنظمة والقوانين، وفي المشتركات بين المسلمين، وفي إعمار الأرض وبنائها، وفي الاقتصاد، وفي العمل، وفي التخطيط، وأن تهجر تلك المشاجرات التي حدثت في تاريخ الإسلام الأول والتي لم نشهدها، ولسنا متعبدين بدراستها، فـ”تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم”! فهل يمكننا الخروج من حصار التاريخ إلى سعة الواقع؟!