من أكثر الموضوعات الاجتماعية حساسية ودقة، ما يتعلق بعلاقة الزعيم السياسي بشعبه. يستمدّ أي مجتمع طمأنينته من خلال الدفء الذي تصنعه العلاقة بين المجتمع وبين الزعيم السياسي الذي يحوّل العلاقة من علاقة “سلطة” إلى علاقة “أخوّة”، تعقبها”محبة متبادلة”. وإذا قرأنا آلية الحكم في الإمارات، بدءاً من الأساس المتين، والقصر الأخلاقي المشيد الذي بناه الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وأسسه لبنةً لبنة، نجد أن الحالة الإماراتية تكاد تكون استثنائية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين السياسي والمجتمع. من خلال إقامتي بين الإماراتيين على مدى عشر سنوات، رأيتُ كيف يشعر الإماراتيون جميعاً بألق وجداني تجاه حكامهم. عاد الشيخ خليفة بن زايد قبل أيام للإمارات، مكللاً بالحب والورود، عائداً من إجازة صحية، فرأيتُ فرح الإماراتيين-ليس على الفضائيات- وإنما بالشارع، وفي اليوميات التي أعيشها، في مظاهر الفرح والابتهاج، في شوارع الحيّ الذي أسكنه في أبوظبي. وإذا كانت بعض الزعامات تجبر الناس على وضع صورهم على سياراتهم، ففي الإمارات على العكس، يضع الإماراتيون صور الشيخ زايد والشيخ خليفة جنباً إلى جنب في السيارات، في تعبير صادق وعفوي، وهذا لعمري هو القبول الإنساني الذي لا تعريف له، ولا سبب له، وإنما هو شيء يحسّه الوجدان. رأيتُ الناس يتهللون فرحاً بعودة زعيم محبوب، ورث الحب العظيم من والده الشيخ زايد رحمه الله. طالعتُ قبل أيام على إحدى القنوات الفضائية أحد المناضلين وهو يردد: “كل الشعوب العربية لا تحب حكامها”. فضربت كفاً بكفّ على هذه القطعيات الصغيرة. في الخليج عامةً هناك حالة رضا شعبية بالقيادات، لأن الخليج منطقة تحصّنت من الصراعات الأيديولوجية، ومن الحكومات الانقلابية، في الخليج هناك زعامات انتخبت شعبياً من القبائل التي تعيش على هذه الأرض أو تلك. قبل الناس زعماءهم ومنحوهم الولاء. الإمارات كسب حُكامها ثقة وحب الشعب كله، ولا يزال الناس إلى اليوم يبتهلون بالدعاء لروح الشيخ زايد قبيل إفطارهم، وقد شاهدتُ هذا لدى الإماراتيين في رمضان، ويتبعون ذلك بالدعاء للشيخ خليفة بموفور الصحة. إن الفرح بعودة الشيخ خليفة هو فرح عفوي طبيعي، دافعه سخاء الحب، وعمق العلاقة ومحيط الحب الذي لا ينضب بين الحاكم وشعبه. لأن الشيخ خليفة استطاع أن يمنح الناس السعادة، وأن يكمل مسيرة أبيه الناصعة، وفي الأثر: “من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”، وقد جسد خليفة هذا المعنى العظيم من معاني السعادة. فالإماراتيون ينعمون برغد العيش، وبأمنٍ في المسكن، وبتقدم في التعليم. وهو أمن أتى بسبب الرعاية المستديمة من قبل الشيخ خليفة، وهذا ما يفسر حبّ الناس له، فلا غرابة إن فرحوا وطربوا لعودته، فرحين بسلامته. إنني أعتبر العلاقة بين الشيخ خليفة وبين شعبه علاقة تاريخية، و حباً صادقاً وعفوياً، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإمارات لم تتأسس على السلطة، بل على الولاء والمحبة والثقة. وهذا هو سرّ حب الناس لهذا الزعيم المحبوب، الذي أسر القلوب، فحمداً لله على سلامتكم يا أبا سلطان.
جميع الحقوق محفوظة 2019