\”دبي\” معادلة صعبة في عوالم التنمية، جسّدت مشروعها المتبختر على ضفاف الخليج لتتحول تجربتها إلى لوحة سوريالية اختلفت حولها القراءات، لكأنها كتبت بلغة إعجازية بهرت كل طلاب علوم التنمية، لم يستوعب البعض هذا العرس العالمي احتفاءً بحورية الخليج \”دبي\” التي استطاعت أن تنهض، أن تصنع أكبر معجزة بناء، وضعت بنيتها التحتية ومشروعها التنموي خلال أقل من عقد، وهو عمر قصير في أعمار الأمم والدول، أن تصنع إمارةً شامخة راسخة متطوّرة بهرت الأبصار وحيّرت العقول. في أمسية متميزة قرب ما بقي من البناء العثماني الأصيل في بيروت، مع ثلة من الأصدقاء ورجال الأعمال، عادت دبي من خليجها لتصبح محط نقاش في قلب لبنان. كان محور اللقاء الحديث عن \”دبي\” بين مؤيد بكل وضوح ومباشرةً لمشروع دبي، وبين متحفّظ بشكل شديد على النهضة السريعة التي جعلت دبي تسقط في وحل \”الأزمة العالمية\” حسب تعبير البعض. كان النقاش جميلا ومثيراً، مع أن نسبة من المتحدثين لا يرون في تجربة دبي سوى تجربة سريعة خاملة ربما تموت في أي وقت! هكذا هي القراءات المتعددة التي لا يمكن أن تكون إلا لتجربة عتيدة مثيرة للاهتمام. ومهما كانت آراء الناس في تجربة \”دبي\”، فإني أعتقد أن مجرد تحول تجربتها إلى \”مثار حديث\” فإن هذا بحدّ ذاته أمر جيد، فالناس لا يتحدثون عن تجارب المدن الخاملة، لماذا لم يكن حديثنا في تلك الأمسية عن عواصم لم تعد تذكرها حتى الأخبار والإذاعات لشدة الخمول التي يسكنها؟ حتى وإن عارض البعض تجربة \”دبي\” فإن رفضهم ينطلق -ربما- من شعور لا واع بعظمة التجربة التي مرّت بها. إن حديثهم عن دبي حتى وإن كان على سبيل الرفض يدل على أن تجربتها أثارت الجدل وهذه ذروة النجاح. قابلتُ قبل أسابيع ضيفاً لم يأت إلى دبي منذ خمسة عشر عاماً، لا يمكنكم تصوّر الذهول الذي لفّه، كان يمشي مخترقاً دبي في سيارته، وهو يتمتم مستذكراً دبي قبل خمسة عشر عاماً، كان يمرّ من أماكن لم تكن سوى مساحات مملوءة بالحجارة والتراب، ملأتها ناطحات السحاب والبنايات والمشاريع، تذكّر مباسط \”العجائز\” في \”جميرا\”، قبل أن تتحول جميرا إلى قبلة للسياح، لم يستطع أن يتحدث عن شعوره تجاه هذا التطور المهول، اكتفى بأن تمتم: \”هذا ما هو معقول\”، وبالفعل أن تعود إلى مدينة بعد خمسة عشر عاماً ثم تجدها وقد تحوّلت من إحدى مدن العالم الثالث إلى مدينة تنافس عواصم الاقتصاد العالمي. أظن أن الحديث عن دبي سيستمر إلى عقود قادمة، وربما تتغير آراء الكثيرين فيها مع السنين، يكفي أن دبي استطاعت أن تنجز ما حلم روّاد النهضة العرب بإنجازه حسب تنظيرهم الذي امتدّ لقرنين، وإنجاز ما حلم الحكماء والفلاسفة به هو قمة النجاح.
جميع الحقوق محفوظة 2019