يذكر الرواة، أن أمير قرية من القرى، كان حين ينام الناس يخرج من بيته، من دون أن يشعر به أحد في قلب ظلمة الليل، وبيمينه العصا، يدور على حدود القرية الصغيرة، يرسم خطاً بعصاه على حدودها، ويتلو الأوراد والأدعية، يحاول أن يحرس القرية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لشدة ولعه بهؤلاء الذين بايعوه على أمرهم. وتروي الأساطير أن هذه القرية لم تسرق، ولم يأتهم كدر أو بؤس، وبعد أن مات زعيمها، ظلت روحه ترفرف على القرية. كان الناس يشعرون بروحه تظللهم كالغمامة. تقول الأسطورة إن الناس عاشوا بسلام وأمان. على الرغم مما في تلك القصة من شحنة شعبية أسطورية، غير أن الحب الذي ضمه قلب الأمير لقريته بقي معروفاً محققاً. هذه الأيام تمر الذكرى الخامسة لوفاة مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد رحمه الله، وكأني بالناس وهم يعيشون هذه الذكرى، يتمنون لو أنه بقي حياً، ورأى أحلامه وطموحاته تتحقق، بروحه التي تظلل وتحرس هذا الاتحاد النموذجي. أتخيل الناس وهم يستعيدون هذه الذكرى، كيف أن الأم ترى طيف صورة زايد على جبين ابنها الرضيع وهو ينعم بثمار العيش الرغيد الذي أسس له زايد ووضع منهاجه. لطالما شعرت أن روحه ترفرف هنا في مكان ما، تحرس كل هذه الإنجازات وتشاهدها بروح راضية ونفس مطمئنة. حينما أمر بسيارتي وعن يميني وعن شمالي المشروعات التي آتت أكلها في الإمارات أتساءل كم أن هذا المعنى المدني لا يمكن أن يتأسس إلا على محيط من الحب، وإذا قرأتُ توقيعاً في الإنترنت أو الفيسبوك لشخص عن ذكرى رحيله، أو عن رابطة محبيه، أعلم أن الحب هو الأساس، حتى في الحكم ورسم الاستراتيجيات والخطط، لقد استطاع في حياته أن يرسم خطاً من الرعاية للبلاد شملها بعطفه وحبه، وبقيت روحه حتى بعد رحيله، تراقب من بعيد برّ أبنائه بشعبه، وكأنهم ورثوا عنه كل الرعاية، وأصبحت الإمارات مضرب المثل في العالم في سرعة التنمية. لقد نقل الشيخ زايد ما درج عليه الناس من طرق تقليدية في صناعة المدينة والمدنية، فهو لم يضع المدينة على الضد من البداوة، بل استطاع أن يستوعب حتى الذين كانوا في البادية إلى دفء المدينة، ليحميهم من أعباء التنقل مع المراعي والتخبط في مجاهيل الصحراء، إلى ميدان التنمية داخل المدينة، فمنح البدوي الذي كان خارج المدينة مزرعة حولته مدنياً يخضع لمنطق الماء ورعاية الشجرة، ونجح في جعل أبوظبي مدينة عربية ترحب بكل جنسيات الأرض، تظهر كمعدن لامع بين المدن، تنمو كمشروع عبقري لم تنتجه الأيديولوجيات ولا الانقلابات، بل جاءت كمدينة صنعت على عيني زايد، وباتت المدينة الحلم، والمعجزة المذهلة، نبتت خارج الشعارات والخصومات، إنها المدينة التي سقاها زايد بحبه وعطفه ورعايته. أصبحت قبلة الاهتمام بالإنسان وتنميته عبر رؤى أبنائه الذين عرفوا جيداً حلم والدهم فأكملوا طريق الوالد الكبير. ها هي أبوظبي، ترعى المهرجانات العالمية، فمن الموسيقى، الى السينما، مرورا بالآداب، دون أن ننسي استضافة مقر “أيرينا” منظمة الطاقة البديلة كأول منظمة تابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط. ومن مدينة “مصدر”، إلى جزيرة “ياس” التي باتت الآن عامرة بـ”الفورميلا1″ بنجاح أبهر أباطرة السباقات. لم يكن الحلم سهلاً، لكن تحقيقه كان مذهلاً. الإمارات في ذكرى رحيل الشيخ زايد الخامسة بقيت كما أرادها هو، وكما رسم لها، وكما حرسها في خططه، وكأني بروحه تشاهد هذه الإنجازات وتبتسم ابتسامة الرضا بكل ما تم إنجازه، رحمك الله، فقد بنيت بلاداً باتت قبلة الفن والعيش.
جميع الحقوق محفوظة 2019