بطبيعتي أحب التفاؤل وصناعته، وأحب أن أجذب أكبر قدرٍ ممكن من خلال الجلوس مع طاقات متفائلة، من الأطفال إلى المبدعين الشباب والطموحين من القراء والمهندسين والأطباء، مع الثورات الأخيرة صرنا أكثر تفاؤلاً؛ ولا أتفاءل بالتغيير من أجل مجرد التغيير كما يعتقد البعض، بل أعتبر التفاؤل شحنة اجتماعية تتوزع على بقية الشعوب. وأحب التشجيع والثناء على الإيجابيات في الأعمال والإنجازات. التفاؤل يأتيني كلما تأملتُ في الوعي الشبابي الصاعد، من خلال الابتعاث ومن خلال الدخول والاهتمام في الكتب، وقد حضرتُ معرض الرياض للكتاب ورأيتُ الجيل الشبابي وهو يشتري أصناف الكتب وأنواعها، ويقبل على الرواية، والأدب، والفكر، ومع ما حدث في المعرض من أحداث مؤسفة إلا أنها تعبر عن كون المعرض ليس بالحدث السهل الذي يمكن نسيانه أو تجاهله أو حتى مروره مرور الكرام، لهذا أنا أتفاءل حتى في قلب الأحداث الطاحنة والساخنة. الصديق عبدالله المغلوث أتحفنا مؤخراً بكتاب هو تحفة بصراحة، كتيب صغير حمل تحقيقاتٍ صحافية وآراء وانطباعات حول المجتمع السعودي في الداخل والخارج، واسمه جاء صادماً حيث حمل عنوان: “كخة يا بابا”، هذا الكتاب أعطاني الكثير من طاقة التفاؤل التي نحتاجها، يقول في كتابه: “قضيتُ سنواتٍ عديدة في الغربة، أدرس ولا أختلط إلا بأبناء جلدتي، فأمسيتُ على الدوام أنتقد حجم المكافأة وارتفاع غلاء المعيشة وتجاهل الملحقية الثقافية الرد على اتصالاتي. أهدرتُ سنواتٍ طويلة مكفهراً ومتجهّماً، ضيّعتُ شهوراً جمة غاضباً وحانقاً. لكن، عندما تعرفتُ على صديقي السيرلانكي روشان داسن أدركتُ أن الحياة تستحق أن نتعلق بها أكثر. ونتشبث بها بأقدامنا وأيدينا، جعلني أستمتع بكوب الشاي وأبتهج بقميصي الجديد، جعلني أحتفل برسالة نصية هاتفية، وأطرب لمحاضرة تقليدية، جعلني أفرح أكثر، وأحزن أقل، جعلني أبتسم كثيراً”. هذه العبارات الموجزة، من “المغلوث” تضعني أمام صورة منتشرة لدى الشباب العربي في الغربة، حيث يجلسون سنواتٍ طوالاً مع بعضهم البعض، دون الاحتكاك مع الثقافة التي يعيشون داخلها، ومن دون القرب من المجتمع الذي يعيشون فيه، وهذا يمنعهم من الاستفادة من هدف الابتعاث الأسمى، وهو الاحتكاك بالثقافة الأخرى، كما أن استيعاب ثقافة جديدة يمنح الإنسان فرصة فتح نوافذ أخرى للحياة، وأن يكون أكثر تفاؤلاً وقرباً من كل ما يبعث السعادة والروعة، ماذا لو أن كل مبتعث وضع خطة لرسم التفاؤل على نفسه وعلى من حوله؟ من خلال اكتشاف الفنون، والتأمل في تاريخ المجتمع، والتعمق في عاداته وأمثاله! بالتأكيد سيجد أنه تجاوز صندوق ذاته وثقافته إلى فضاء رحب ملؤه التفاؤل والسعادة. لكن أتساءل في ظل دعوتي هذه للتفاؤل، ما الذي جعل الإحباط يتفشى في مجتمعنا على هذا النحو؟ يرى “المغلوث” في كتابه أن الإحباط تفشى في المجتمع لأننا:”تخلينا عن الفرح، انصرفنا عن البهجة، ونسينا أن الأفراح الصغيرة وقود للأفراح الكبيرة، وأن البحر يبدأ بقطرة، والشجر ينهض من بذرة”. وصدق في نصه الجميل هذا، المجتمع السعودي مثلاً وبعض المجتمعات الخليجية تخضع لضغوط من الثقافة المحبِطة، فما أن يحاول أحدهم أن يبدع، أو أن يقوم بابتكار أو تطوير موهبته التي يحب ألا يتعرض للسخرية والتهريج من قبل المحبِطين، فإن أراد أن يكون شاعراً نعتوه بـ”المتنبي” سخريةً، وإن أراد أن يكون أديباً عيّروه بـ”نجيب محفوظ” تهكماً! إن ثقافة الإحباط والتهريج والتهميش والاحتقار للجيل الصاعد المبدع تشهد الآن نهايتها، اليوم الشباب يرفعون رايات التغيير، ويملأ تغريدهم السماء، ولا أدل على ذلك من النهضة التي يحققونها في أوطانهم، فهم الأمل وبهم نتفاءل بالمستقبل! تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019