في كل بيتٍ طفل، فهم الثروة الحقيقية للإنسان. والذي لم يهبه الله الأطفال نجده يبتهل بغية ذلك الرزق الكبير. الأطفال هم زينة كل بيت، بل هم مع المال زينة الحياة كما قال الله تعالى. حتى الذين لا أطفال لهم حين يمرّ بجوارهم طفلٌ أو طفلة يشعرون بنسيمٍ غامض يدب في عروقهم… إنها فطرة الحياة وديمومتها. والأمهات يشعرن بقربهن من السعادة أكثر بجوار أطفالهنّ، لأنهم هم الثروة، وهم المشروع الحقيقي الذي يعملن على إنجازه. وإذا كان الأطفال هم عيال الله كما في الأثر، فإنهم أيضاً عيال زمنهم وواقعهم وعصرهم، ومن جميل ما يؤثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: لا تقسروا أبناءكم على أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. إن كثيراً من الصور تجعلنا نسأل عن فهمنا للطفولة كيف هي؟ وكيفية التربية لأولئك الأطفال، وهل هم مسؤولون عن شخصياتنا لنلزمهم بأن يكونوا نسخاً مكررةً عنا؟! الغريب أن بعض الآباء الذين يتعاطون بشكلٍ تقليدي موروثاً مع التربية للأطفال يشعرون بأبوتهم أكثر مع تقليد أبنائهم لهم، صحيح أن التقليد جزء من الإعجاب لكن المشكلة الحقيقية حين يكون التقليد مجاملةً أو خوفاً من الغضب أو العقاب، ولا يكون امتثالاً طبيعياً وسلوكاً اختيارياً. أول مرتكزٍ يمكن أن تقوم عليه التربية للطفل أن يكون هو المتن في البيت لا الهامش، بعض العائلات تجعل من الأطفال هامشاً في البيت، بحيث تكون حركتهم طارئة، والعقوبات بوليسية، مع أن البيت هو أصلاً لهم وملكهم، يمكنهم فقط أن يتعلموا التنظيم وما عدا ذلك يمكنهم أن يكونوا هم المتن والبقية هم الهامش، لأن طمأنينة الإنسان في بيته تنعكس عليه في كل بقية حياته، فلا تحملوا الأطفال بالبيوت على مبادئ العسكرية في الجبهات. ثم أن الأطفال هم أبناء عصرهم وزمنهم، فهم يعيشون أقصى تجليات العولمة بكل معاصرتها وتجددها، فنحن بالنسبة لهم شيء أساسي وأصلي لكنه ليس عصرياً، يمكنهم أن يستلهموا منا الحكمة أو النصيحة، لكن الحياة هم أعرف بها منا، لأن الرياح العولمية تفهمهم أكثر منا. لا يمكن لأبٍ أن يدعي أنه أكثر قدرةً على استخدام بعض الأجهزة اللوحية والجوالات الذكية من أطفاله الصغار، لأنهم أبناء عصرهم وزمنهم، وهذه المنتجات هي طبيعية بالنسبة لهم وليست دخيلة لأنهم ولدوا معها! أما تربية الفتيات فهي الأكثر حساسيةً ودقة، لأنها تنمو نحو أمومتها منذ الصغر، حين تأخذ “الدمية” وتضعها في حضنها ممثلةً دور أم. بناتنا منذ الصغر يكنّ أمهاتٍ لنا نحن الآباء، رعايةً وحباً وفهماً، فهنّ الجناح الأرق في الأسرة، والكلمة معهنّ لا بد أن تكون موزونة لأن ذاكرة المرأة مثل مشاعرها حساسة تلتقط كل شيء، فلنغرس الحب والشعر والثقة بالنفس، في وجدانهنّ ليكنّ أمهاتٍ قادراتٍ على إدارة بيوتهنّ في المستقبل. الطفلة بالنسبة للأب يجب أن تكون أماً يمنحها البر، كما أن الابن بالنسبة للأم يعني لها الكثير لأنه عضدها وصنو حياتها ووجودها. التربية غرس دائم ينمو بماءٍ من صدق وحب، ولعمري أن انتشار الحب في البيت بين الجميع هو الذي يحيله إلى عشٍ دافئ في هذه الليالي الشاتية، بل هو المأوى الذي نسكن إليه مع أطفالنا بشقاوتهم وذكائهم ولسعاتهم أحياناً، لكنها كلها تعكس متعة الحياة ومكافحتنا لخوض غمار تجاربها، فإذا كنا نكتشف أنفسنا كل يوم فإننا كذلك نكتشف لمعان وتوقد أذهان أبنائنا كل لحظة. لا تجعلوا من أبنائكم نسخاً منكم، بل دعوهم يشكلون حياتهم كما يريدون، وما نغرسه اليوم سنحصده معهم غداً، وأطفالنا يكبرون معنا، حتى إذا علا الرأس الشيب فطنّا أننا أصبحنا كهولاً، لنسلمهم راية واقعهم وحياتهم وأوطانهم لينمون بها، وينعمون بكل نبتٍ غرسوه من قبل. أطفالنا هم رسوم الحياة وطيور الحب. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019