يتصل عليك أحدهم فجأة، يتحدث معك بلهاثٍ سريع: مساء النور، هل تعرف فلانا في تلك الوزارة؟ هل لديك علاقة بذاك الديوان؟ تسأله: ما الخطب؟ يجيبك: فقط أريد أن أسألك عن إشاعة انتشرت في المجتمع، تقول إن قرارا يتعلق بكذا سيصدر! ثم تجيبه بهدوء: لديك موقع “وكالة الأنباء السعودية”، في حال كان الخبر صحيحا ستعثر عليه هناك. مع كل حلول وقت كل تغيير وزاري تتداول قائمة بوزراء وتغييرات وتعديلات وانتقالات “فانتازية”، ويسأل الناس بعضهم عن صحتها، بينما لو صبروا لكان الخبر الذي يشترى اليوم بالنقود، بالمجان غدا، خصوصا إذا تبين أن تغييرا لم يحدث، وتعيينا لم يصدر!
كذلك الحال في الإشاعات التي تصدر قبيل رمضان، “برودكاست” واحد يكتبه أحد المغرضين عن وفاة فلان أو مرض علان، وكأن البطالة التي يعاني منها البعض تحرضه على الاستمتاع بإطلاق الإشاعات المزعجة، والتي تدل على فراغٍ اجتماعي وعشق للأخبار الناقصة، والقصص الخرافية، والتهاويل الاجتماعية. هذا غير التهم التي تتنقل اجتماعيا كالفيروسات عن زواج فلان، أو طلاق فلانة، من دون أن يكون لهم من الخبر برهان، ولا من الصحة نصيب.
تنشط الإشاعة دائما في المجتمعات كثيرة “التثاؤب” والتي لا تجد الكثير تعمله، أو لدى بعض الصحف الصفراء والمجلات التي تعتاش على المشكلات والأكاذيب والإشاعات، وهذه مشكلة اجتماعية أساسية وحقيقية، أن الكلام الفارغ كما يقال طغى على الكلام المليان إلا ما رحم ربي.
لكن ما هي الإشاعة التي تزعجنا في المجتمع؟
المفكر المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي يقول “إن أهمية الإشاعة لم تكن تستمد من المصدر، بل ولا حتى من المضمون. ذلك أن قوتها ليست في مضمونها، لا في صدقها ولا في كذبها. فهي تتنقّل في فضاء يوجد (خارج الصدق والكذب)، وهي لا تستمد قوتها من قوة ما تقوله، وإنما من كونها تنتمي إلى فضاء كل ما يقال فيه قد سبق قوله، وسيستمر، ولن ينفك يقال. ما أعلمه عن طريق الإشاعة لا بد أنني سمعته من قبل: إنه ما يُتناقل. وبما هو كذلك، فهو لا يتطلب فاعلاً من ورائه، ولا ضامنا، وهو لا يقتضي تأكيدا وتمحيصا. فما يهم في الإشاعة ليس ما تخبر به وعنه، وإنما الصدى الذي يعقب انتشارها”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: وخطر الإشاعة في أنها صوت من دون أي مصدر، لهذا الكثير من البيوت تفككت، والنفوس اضطربت، والعائلات خافت، بسبب الإشاعات، التي تصدر من الكلام الخالي من المعنى والهدف، وبخاصةٍ حين تكون الإشاعة قد انطلقت في مجتمع ينقص فيه العمل ويكثر فيه الكلام!