حديث الكتب – صالح الشحري
كتاب مهم عن أحد أهم الوزراء في السعودية وأطولهم بقاء في الوزارات التي شغلها، فقد لبث عقدين في وزارة التخطيط التي كانت مسئوليتها العبور بالسعودية إلي عصور المدنية الحديثة، ثم أصبح وزيرا للبترول، ولذا فالكتاب مهم خاصة وأن الناس فيما يتعلق بتاريخ السعودية الحديث يظلون أسري الروايات الشفهية التي تعوزها الدقة ولا تمنح عصارة التجربة ودروسها للأجيال.
روي هذه السيرة تركي الدخيل الإعلامي المعروف والذي يحسب له في هذا الكتاب مقدمته الرشيقة والجذابة وهوامشه الثرية التي ما تركت إسما من أسماء الأعلام إلا قدمت له تعريفا كافيا وضروريا سواء أكان المعرف به سياسيا، رجل أعمال ،أديبا عربيا أو أجنبيا ،سعوديا أو غير سعودي، وهو في هذا أسدي خدمة ضرورية للقارئ.
الوزير هو ابن إحدى العائلات الحجازية، التي اهتمت بالتعليم والشأن العام مبكرا ويفسر الوزير اسمها الناظر بأنه اسم لمجموعة من العائلات في بضعة أقطار اشتهر منها في العصر العثماني مدراء، أما أسرة الوزير فقد دفعت ثمن بقاء ولاءَها للعثمانيين بأن نُفي عمدتها من الحجاز إلى مصر ثم من مصر إلي سوريا، وعاد أبناؤه من بعده إلى الحجاز
وكعادة العائلات الحجازية درس أبناؤها في مدارس الفلاح بجدة ثم في كلية فيكتوريا في الإسكندرية…الكلية البريطانية العريقة التي تخرج منها عدد من أهم رجال السياسة وغيرهم في الوطن العربي كالملك حسين والصادق المهدي وعمر الشريف وعبدالله النفيسي وإدوارد سعيد ومنصور حسن. كان هشام طالبا جامعيا في مصر خلال فترة التحولات الكبرى من عام ١٩٤٨ إلى عام ١٩٥٣، ثم ابتعث إلي أمريكا وحول مساره من الهندسة إلى العلوم السياسية ، حصل على الماجستير مع درجة الشرف، ثم عاد إلى بلاده ليعمل مع وزير البترول عبد الله الطريقي وهو الوزير الذي كان له الأثر الأكبر في استعادة بترول بلاده من أيدي شركات النفط والذي عمل مع وزير نفط فنزويلا على إنشاء الأوبك …المنظمة التي يوم نجحت …..أعادت التوازن بين الدول المنتجة للنفط والشركات الاستعمارية المستثمرة له، ومن هنا فقد ابتعثه الوزير الطريقي لمدة سنه للعمل في إدارات النفط في فنزويلا، هذا ما أدي في النهاية إلى أن تنتهي المفاوضات مع شركات النفط الي تملك السعودية لكامل شركة أرامكو في العصر الذي أصبح فيه هشام ناظر وزيرا للنفط أي بعد عقدين من عودته من فنزويلا.
تولي هشام وزارة التخطيط عشرين عاما وهو الذي كان وراء إنشاء المدينتين الصناعيتين في الجبيل وينبع، حيث رأى أن تقام مدن صناعية تحت إدارة هيئات تأخذ سلطات الوزارات حتى لا يضيع الجهد في بيروقراطية معطلة، و ها نحن نرى أن كلا المشروعين قد أصبح دليل نجاح.
قضي هشام بعدها عشرة أعوام وزيرا للبترول و فيها كانت مهمته التي نجح بها أن يفرض رفع أسعار النفط من ٨ دولار إلى ١٨ دولارا، وأن يفرض ذلك علي أوبك، بعدها غادر الوزارة ضمن تغيير روتيني ليستمتع بالتقاعد ولكنه عاد بعد عشر أعوام سفيرا في القاهرة .
لفت نظري طريقة اقناعه بقبول منصب السفير ، فقد كان لا يرغب في مزيد من الأعباء، إذ رغم تنسيبه من قبل وزارة الخارجية للملك فى ديسمبر عام ٢٠٠٤ ، إلا أنه لم يمارس عمله إلا فى سبتمبر، خلالها جرت مشاورات معه من قبل أمراء ومسئولين كبار ، قال له الأمير سعود الفيصل ، أن المرحلة خطيرة ، وأعطى أمثلة…. زيادة الضغوطات على سوريا وإيران اشتدت بعد اعادة انتخاب بوش الإبن ، ثم ما حدث فى لبنان ، وتجميد القضية الفلسطينية كل ذلك أمور تدعو للتشاؤم ، الشعارات المرفوعة توحى بنفاق ظاهر ، لكنها في طياتها تستبطن غرسا مدمرا، وتابع وزير الخارجية أن العالم العربى قد يبدأ في إصلاحات سياسية و اقتصادية خطيرة، وأن عليه توخى الحذر والحفاظ على هويته وحماية موارده ومصالحه ، وأن مصر قد تعانى من تغيرات متسارعة ، وشدد على أن أهمية مصر للسعودية تتساوى مع أهمية الولايات المتحدة للسعودية إن لم تكن أكثر ، وبأن ولى العهد -الأمير عبدالله آنذاك- يريد منه التوجه فورا لاستلام موقع السفير، يعلق ناظر بأن أوضاع مصر قد شهدت اضطرابا بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، فرغم أن الانتخابات بعدها كانت محسومة للرئيس مبارك مما أدى إلى مقاطعتها من قبل المعارضة إلا أن عدد المتقدمين لانتخابات الرئاسة بلغ إثنين وعشرين ، حدثت بعدها تفجيرات فى خان الخليلى وشرم الشيخ.
قبل سفره للقاهرة قام بزيارة الأمير سلطان الذي قال أنه يُتوقع منه أن يجعل السعودية تربح مختلف طبقات المجتمع المصري، وأنه يُتوقع أن يفتح بيته لكل المصريين وأن يدعم تطوير التعليم في مصر ، وتابع الأمير سلطان أن التعاون مع مصر نشأ من إرادة زرعها الملك عبد العزيز ، ولذلك فإن علينا دعمها حتى فى لحظات الاختلاف على بعض القضايا ، وقال أن مبارك يواجه تداعيات الموقف الأمريكي، وأن الاعتماد عليهم -يقصد الأمريكان- إلى أجل غير مسمى أمر غير ممكن وأن استرضاءهم بشكل أعمى خطأ استراتيجي خطير ثم تحدث عن بوش الأب وبوش الإبن وأشار إلى وجود مستشارين مشاكسين حول الإبن ، وأضاف أنه يريد للسفير أن ينصح الرئيس مبارك بتعيين نائب له والأفضل اختياره من القوات المسلحة فإن النظام فى مصر لا يستطيع أن يستغنى عن دعم الجيش. اهمية هذه التصريحات أنها كانت عام ٢٠٠٥ م وانها تعكس الفهم العميق للسياسة الأمريكية. وأشار الأمير سلطان إلى أنه سيقترح إعطاء السفير ميزانية اضافية حوالى ثلاثمائة الف دولار شهريا لغرض تغطية النفقات المتوقعة. وهذا يفسر النشاط الدائب للرجل في مصر، إذ أن السفير السعودي أصبح أهم شخصية غير مصرية في مصر، واضح أن تحركاته واجتماعاته بالوزراء المصريين أكثر كثيراً مما يمكن أن يتاح لسفير عادي بل وشملت زياراته أحزاب الوفد والناصري والتجمع، والحزبان الآخيران ليسا مما يعتاد أن تكون له علاقات جيدة مع السعودية، كما وكان يستضيف اجتماعا أسبوعيا ثقافيا في منزله تحول إلى أشهر منتدي ثقافي في القاهرة أيامها .
مما لفت نظري أيضا ما نقله السفير عن عمرو سليمان الذي اجتمع به أوائل أيام عمله فى السفارة ، وكان ذلك بخصوص سوريا، قال سلمان أنه إذا لم تتوجه سوريا إلى السلام مع إسرائيل وتكف عن تحدي أمريكا في الموضوع اللبناني فإنها ستتعرض لما لا قِبل لها به وهذا ما رأيناه.
الكتاب مهم ولكنني أعتقد أنه غير كاف فقد توقف عند ما يمكن أن يقوله الوزير في الصحافة الرسمية ونادرا ما تطرق إلي خلفيات الأحداث، تكلم عن خطط التنمية، و لكنه لم يتكلم عن المشاكل التى قد تواجه التنمية، كما و تحدث عن خلافات أوبك حول أسعار النفط و لم يتحدث عن رؤية المملكة لسوق النفط وأسعاره واستخداماته السياسية، لم يكن هناك حديث عن سياسة سلفه أحمد زكي يماني في ادارة أمر البترول، وهو حديث مهم فصله الوزير علي النعيمي في مذكراته، كما لم يتطرق الى ما اشار اليه كتاب أوروبيون من أنه كان كثير الاختلاف مع الوزير يمانى عندما كانا زميلين في مجلس الوزراء قبل أن يصبح هشام وزيرا للنفط ، وقد غلب على الوزير التزامات الدبلوماسي والبيروقراطي، تجده مثلا لم يتحدث عن رأيه الشخصي فيما كان يجري في مصر وفي الضغوط الامريكية عليها ، كما و لم يكن هناك إلا مجرد إشارة عن أهم صالون ثقافي في مصر استمر أسبوعيا خمس سنوات فى منزله ، واستضاف أهم شخصيات مصر السياسية والثقافية والعلمية وكانت الصحافة المصرية حريصة على تغطية نشاطاته ،كما و استضاف شخصيات سعودية مهمة. كذلك لم يتحدث كاتب السيرة عن عائلته إلا نزرا يسيرا كان عن أبيه، بينما كان من إخوانه مجموعة من رجال الدولة المرموقين، ولم يتحدث عن زوجته وأبنائه وأصهاره الذين كان منهم صالح كامل رجل الاستثمار والإعلام والبنوك الاسلامية، وكنت أتمنى أن أعرف رأيه في كلية فيكتوريا خاصة وأن هناك تضاربا في الشهادات بحقها، بعضها شهادات تدينها كشهادة إدوارد سعيد، ولم يتطرق الكاتب إلى تفاعلات هشام مع ما كان يجري في مصر إبان دراسته، رغم انه ذكر أنه تحول من دراسة الهندسة إلى دراسة العلوم السياسية في أمريكا أساسا ليتمكن من محاججة القنصل الاسرائيلي النشط في كاليفورنيا، والذي كان هشام يحضر كل لقاءاته ليتمكن من الرد عليه، و هذا يدلل على إهتمامات مبكرة بالسياسة.
أعتقد أن ما قرأناه ليس إلا أقل القليل عن سيرة غنية مما كنا نحتاج للإطلاع عليه وربما كان هذا سبب تسمية هذا الكتاب بهذا العنوان، سيرة لم تُروً. تضمن الكتاب أيضا معظم ما نشر من مقالات في رثائه ولكن أهمها حلقات ثلاثة كتبت في جريدة اليوم بقلم جميل الجشي الذي عمل معه فترة طويلة، وكان مسئولا عن مشروع الجبيل، يتحدث عن دوره فى التخطيط وأسلوبه في الإدارة من خلال ذكرياته عن الأعمال التي رعاها الوزير .