الأصوات التي تعيد بعث الطائفية من جديد في العالم الإسلامي هي الأعلى، لهذا فإن تأثيرها هو الأقوى، مع أنها الأكثر ضررا وخطرا. الصوت المعتدل لا يكاد يسمع مع كل هذا الضجيج. حين نأتي بالنماذج السنية المعتدلة، أو الشيعية المعتدلة فإن الذين ينصتون لما تطرحه قلة. لأن العاطفة دائما تنزع نحو الصوت العالي والجلجلة والجلبة، أما حين تكون الرؤية الثاقبة هادئة فإنها لا تثير إلا الشريحة العاقلة التي لم تأخذها العاطفة إلى أمد بعيد في تعصبها وتطرفها. وبخاصة أن الألقاب التي ينزعها كل طرف على الآخر لها طابع تاريخي، وهي ضمن صراعات ولى زمنها وانتهى.
الصوت الشيعي المعتدل الأبرز متمثلا بالسيد: علي الأمين يصدح برؤية رائعة، أرى أننا نحتاجها جميعا في هذا الزمن الذي تضخ فيه الطائفية، وتصبح هواء يتنفس في لبنان والعراق وبعض أطراف الخليج.
في كتابه: “السنة والشيعة أمة واحدة” الذي صدر في يوليو 2011 قال الأمين: “قد نعرف شيئا عن التجربة الإسلامية التي حصلت في الماضي وقد نختلف في الحكم عليها أو على بعض مراحلها وأشخاصها سلبا أو إيجابا، ولكن ذلك كله لا علاقة له بالدخول في الإسلام عقيدة وشريعة والمهم أن تكون التجربة الإسلامية التي نخوضها اليوم بعضنا مع البعض صحيحة في دولنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، لذلك يجب أن نعود إلى تلك المبادئ والأسس التي صار المؤمنون بها مع المسلمين مع غض النظر عن النزاعات التي حصلت والخلافات التي وقعت بعد ذلك، وقد عبّر عن تلك الأسس الجامعة في بداية الدعوة ما قاله جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة عندما هاجر هو وجماعة من المسلمين فرارا بعقيدتهم الجديدة التي آمنوا بها وقد اختصر فيها فهم الإسلام والمعاني التي دعتهم لقبول الدعوة، تلك الدعوة التي جمعت بينهم وألّفت بين قلوبهم بمبادئها وقيمها لا تزال حتى اليوم تنادينا نحن المسلمين بها والانضواء تحت رايتها بعيدا عن التجربة التي مرت فيما بعد، وبعيدا عن الانقسامات التي حصلت بعدها وتأمرنا بالتمسك بتلك المبادئ التي تدخل وحدها صاحبها في الإسلام”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لنقرأ النص الماضي عدة مرات، ولنتأمل هل نحن على حق في هذا التنابز الطائفي الذي يوغر الصدور؟ بين اتهام الشيعي للسني بالناصبي واتهام السني للشيعي بأنه رافضي، وهكذا. السيد يطرح حلا يتجاوز الصراعات التاريخية، ويتعدى النزاعات السنية الشيعية، ليطرح الإسلام بنصوصه التأسيسية الأولى، فهل نستطيع أن نحقق هذا التحدي التاريخي؟ وأن نبدأ رحلة التجاوز لهذا الإرث الثقيل؟