في رمضان ينشط كل فنان بعرض ما بجعبته للمشاهدين. هناك أكثر من سبعين مسلسلا تعرض على الشاشات الفضائية العربية، ما بين بدوي، وكوميدي، ونُواحي بكائي. يستعرض كل فنان بضاعته للمشاهدين، وهو تزاحم محمود لأنه تنافس داخل معايير المهنة الفنية ولم تخرج عن حدود اللياقة المهنية في الغالب… المسلسلات تُعرض، والمشاهد يختار ما يروق له من بين تلك المسلسلات. لست ضد المسلسلات ولا القنوات ولا الإعلانات، ولست من الذين يندبون حظ الأمة على انتشار المسلسلات لسبب بسيط، أنني أعتبر كل ذلك داخلا في مجالات ودوائر التجارة والإعلان وصناعة الدراما والفن، وإذا كان بعض تلك المسلسلات يفسد الثقافة، فإن هذه المشكلة يناقشها التربويون ولا يناقشها إعلامي مثلي مهتم بصنعة الإعلام لا بآثاره، فهناك فرق بين البحث في الميديا والبحث في الميديولوجيا. لكن ما لفت نظري خلال متابعتي للقاءات الفنانين مع وسائل الإعلام في رمضان خصوصا، إصرارهم الشديد حد الإلحاح على أنهم “يصلّون”، و “يصومون”، و”يخافون الله”، ولا أدري عن سبب ذكر هذه المعلومات، وكأنها ليست هي الأصل، لأننا نعلم أن المسلم يقوم بتلك العبادات من دون أن يكون الحديث عنها من الأخبار العاجلة أو الاستثنائية. الجميع يصلي ويصوم، هذا هو الأصل، وخلافه الاستثناء! أظن أن من يصرح بهذه التصريحات ينطلق من انصياعه -شعر أم لم يشعر- لوجهة النظر التي يروج لها اجتماعياً أن الفن “عفن”، وأن أغلب من يمتهنونه لا يعرفون الصلاة، وحينما تنفي الاتهام البسيط، فإنك تعطيه وزناً واعتباراً. لنقرأ بعض تصريحات وأخبار الفنانين عن هذه القصة:(أكدت الممثلة المصرية وفاء عامر أنها تحرص على صلاة الفجر في جماعة بمسجد السيدة نفيسة يومياً في رمضان، وفسرت ارتباطها بالمسجد لراحتها النفسية كلما زارته، وأنها تشعر بأن قلبها معلق بالسيدة نفيسة طوال الشهر الكريم)! و(نفت رانيا فريد شوقي نزولها البحر ليلا كرواد شواطئ مارينا، وقالت: لا أصلي بالمساجد ولكن في بيتي، وأقرأ جزءاً من القرآن يومياً، بينما أقوم بشراء الفوانيس لابنتي فريدة وملك)! (أكد الممثل المصري محمود ياسين حرصه على أداء صلاة الجماعة وقراءة القرآن في رمضان)! نفع الله بكم! تلك التصريحات نشرت في أوقات متقاربة على ألسنة الفنانين، وكأنهم يمنّون على المشاهدين أنهم يؤدون الفروض الدينية، ولو أن كل إنسان صلى أو صام أجرى حواراً صحافياً ليعلن عن أدائه للصلاة، فسنضطر إلى تعبئة صحف كثيرة كفيلة بردم محيط كامل من المحيطات.
جميع الحقوق محفوظة 2019