إضاءات – تركي الدخيل
كان مبهجاً، حديث سمو وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، قبل أيام، في إحدى جلسات منتدى مسك العالمي، حينما أكد أن سياسة المملكة في العمل على تدوير الاقتصاد الكربوني، استناداً إلى القيمة الحقيقية للكربون وأن سياسة وزارته في التعامل مع الكربون، ستكون على الطريقة القصيمية، إلى أقصى حد، في استغلال الكربون، وعدم التفريط بأي جزء منه. الأمير قال: سنحلب الكربون لآخر ذرة فيه.
حديث الأمير عن استخدام النموذج القصيمي، الفاعل في عدم التفريط بما يمكن الاستفادة منه، يؤكد مزايا القصمان اقتصادياً.
والقصمان، جمع لأهالي منطقة القصيم، الواقعة شمال الرياض، واشتهر أهلها بالتجارة، منذ قديم الأزمان، ولعل كون معظم أهل العقيلات، من القصمان، دليل على ذلك. والعقيلات، هم الذين اشتغلوا في بيع الإبل والخيل عبر نقلها من نجد، إلى العراق، والكويت، والشام، وفلسطين، والأردن، ومصر، ولم يكن ثمة وسيلة نقل غيرها، آنذاك.
وسموا بالعقيلات لأنهم كانوا يعقلون الإبل، أي يربطونها بعمائمهم حتى لا تتفلت.
ما دخل أهل العقيلات بلداً، إلا وأصبحوا من أهل المكانة فيه، لصدق كلمتهم، وثبوت أمانتهم، وحسن خُلقهم، فأقام بعضهم في تلك الديار، وناسبوا أهلها، قبل تأسيس المملكة، على يد الملك عبدالعزيز، رحمه الله.
وقبل أكثر من مائة عام، بعث الملك عبدالعزيز، برسالة لأهالي بريدة، يطلب منهم أن ينتقوا له ممثلين، أحدهما بمصر، والآخر بالشام، على أن يكونوا من أهل الصدق والأمانة، ورعاية مصالح البلاد والعباد، فاختير، الشيخ فوزان السابق، ممثلاً معتمداً بمصر، والشيخ سليمان المشيقح، ممثلاً معتمداً بالشام. وجد المؤسس الراحل، غفر الله له، للقوم في تلك الديار، حظوة عند أهلها، ومكانة عند حكامها، فاعتمدهم سفراء له، قبل أن يصنع السلك الدبلوماسي في المملكة، فقاموا بالواجب، وكانوا عند حسن ظن المؤسس، محبة لوطنهم، وولاءً لقادته.
لا يجد القصيمي حرجاً، بل يرى فخراً، أن يبدأ ابنه، في أول سنواته الدراسية، بممارسة تجارة متواضعة، قوامها بيع بعض حاجياته، التي استغنى عنها، ولو مقابل بضع ريالات. فهذا سيعلمه قيمة المال، ومن لا يعرف للمال قيمة، لن يحسن استخدامه.
ومع حلول كل موسم قطاف، فاكهة، أو خضار تزرع بالقصيم، من التمور، مروراً بالبطيخ، بالإضافة، إلى منتجات اشتهرت بها المنطقة مثل الكليجا، ستجد في ساعات الظهيرة اللاهبة، من أوقف سيارته على جانب الطريق، وعرض بضاعته عليها، منتظراً أن يسوق الله له مشترٍ، دون أن يشتكي حر الرمضاء، ولا تعب الكد، فمن يبحث عن الرزق، لا وجود لعبارات التبرم، وألفاظ الشكوى في قاموسه، ومن جدّ وجد!
أوشكت عادة البيع الذاتي، بعض المنتجات أمام المارة، تنقرض من حياتنا، ما خلا بعض القرى، وعند القصمان. وإذا زرت مهرجان التمور، في واحدة من مدن القصيم، سترى فنون التسويق، ومهارات البيع، يمارسها شباب يافع، بعضهم لا يتجاوز الخامسة عشرة عاماً، وضمن هذه المهارات؛ احترام الزبون أو المشتري، وإنزاله المكانة العليا، فهو صاحب الفضل، وبه يرتبط رزقك، فرضاه مظنة إقباله على بضاعتك، وتعكير مزاجه، بأي شكل، شبيه بمن يركل رزقه بقدمه، وهذه ليست من صفات من يحسن البيع، ولا من سجايا من يتقن التجارة.
لذلك كله، قال سمو وزير الطاقة، إن سياسة بلادنا ستتعاطى مع تدوير الاقتصاد الكربوني بالاستفادة من كل ذرة من منه، حسب الطريقة القصيمية… نعم البُشرى للوطن!