حين تستمع إلى الدكتور عيد اليحيى في محاضراته أو مقاطع الفيديو التي يصوّرها بالرحلات الشخصية، أو إلى برنامجه «على خطى العرب»، لا تخطئ العين أنها أمام ظاهرة فريدة، لا تلفزيونية فقط، بل حتى في محبة التراب والأرض والوطن والإنسان. تراه وهو يناجي الرمل، حتى لكأن عيداً، شجرة طلحٍ شامخة، بين الأودية والشعاب، يتفيأ ظلالها من يحب هذه الأرض من إنسان وحيوان وطير.
الوطن قضية اليحيى الأولى، ولا شيء يحمله على عاتقه كهموم المجتمع وشؤونه، لذلك تراه إيجابياً في تعامله، يشجّع الناس على الفرح والتنزّه، وينهاهم عن الغرور والتكبّر على الأرض، وهذه ذروة الخسران أن يتكبّر الإنسان على وطنه، بل وذروة الخيانات وأشنعها على الإطلاق. يمكن أن ندرك مستويات تجليّ ظاهرة عيد اليحيى عبر المحاور التالية:
أولاً: البعد الخليجي في الطرح، فهو يصوّر بالسعودية، بينما تراه يحاضر في مجلس الشيخ محمد بن راشد عن «ساروق الحديد»، مبيناً أن الإمارات العربية المتحدة تمتدّ فيها الحضارات القديمة من العين وحتا ودبي والفجيرة، وكان حديثه عن اكتشاف الشيخ محمد لساروق الحديد مهماً. هذا البعد الخليجي في الطرح يبيّن أن الدكتور لا يريد فقط إبراز تراث وطنه..
وإنما إظهار العمق التاريخي والأثري والتراثي في الخليج، ويصرّ على أن البعض من المفترين لا يرون في الخليج إلا البنايات الشاهقة والعمائر المتلاصقة والمباني الاسمنتية، وهذا خطأ محض نشأ من الجهل بتاريخ وآثار الجزيرة العربية.
ثانياً: الإيجابية الصادقة، تراه في البريّة يصوّر مشهداً يخاطب فيه الشباب، أن لا يحتقروا أوطانهم حين يذهبون إلى أوروبا، هذا الفيديو شرّق وغرّب وانتشر كالنار في الهشيم، ليس شرطاً أن يكون شتم بلدك جزءاً من برامج إجازتك، بالطبع الحر شديد ولاهب.
ولكن ما المبرر أن تهجو مدينتك وأنت تتقلّب بالمدن الباردة، ثم يضيف اليحيى: «أجواء أوروبا ممتعة لشهرين فقط، بينما السعودية فيها تسعة أشهر لا تجد لها مثيلاً، في الشتاء الثلوج والعواصف والبرد القارس الشديد الذي لا يحتمل، والأشجار قد أسقطت أوراقها»، هذه صورة صادمة عن أوروبا، لكن جزءاً من التأثير في المشهدية الإعلامية يكون عبر العلاج بالصدمة، وهكذا فعل.
ثالثاً: تسهيل السعادة، يضع عيد اليحيى مقدماتٍ تؤدي إلى نتائج: المعرفة بتراث البلد تؤدي إلى الإيجابية، والإيجابية تصنع السعادة الوطنية.
وقد صدق، فالسعادة تُصنع من خلال الارتياح، نرى على وسائل التواصل الاجتماعي بعض الشباب والفتيات يتحدثون عن «الهجرة» ويهجون بلدانهم، وينشرون السلبية بطريقةٍ لا توصف بتاتاً، بينما لو تأملوا بنضج لعرفوا أن هذه الأرض بخيراتها، ومنابعها، وشطآنها، وصحرائها هي الملاذ، فالأرض هي أمٌ الإنسان، وقد يهاجر بعيداً وطويلاً، لكنه يعلم أن الأرض التي احتضنته منذ ولادته هي مآله، وملاذه.
السعادة الوطنية، هي التي تحقق الانتظام في الواقع، والالتزام بقوانين المرافق العامة، وعدم العدوان على الحيوانات، وإنهاء احتقار الجنسيات الأخرى، والخروج من الأزمات النفسية، التي تسبب الاضطرابات في المجتمع، وتلوّث البيئة، وتقتل الحجر والشجر.
عيد اليحيى، هو أيضاً ظاهرة مسرحية، فثمة بعد مسرحي في عرضه للمشاهد المصوّرة، إذ تراه يختار زياً لافتاً لصنع مشهديةٍ مختلفة، ويحمل بيده العصا وهو يجوب الأماكن الوعرة، ويحرث في الصحراء بحثاً عن أثر، أو خطوة، أو حتى خطٍ ثمودي.
عيد، نموذج حيوي إيجابي، وهو يعود دوماً لا بما مضى فحسب، بل دوماً فيه تجديدُ، ولكأنه وهو بهذه الحيوية والعطاء والتبسم، في زمنٍ كثر فيه التأفف والشكوى، يتمثل إيليا أبو ماضي (1890 – 1957)، القائل:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء ** كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس ** تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود، وتعمى** أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل ** من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا!