كان الله في عون المضيفات اللواتي يبذلن جهوداً مضنية وهنّ يقنعن الراكبين بضرورة ربط حزام الأمان. بعض الركاب يتغافلهنّ ليفصل الحزام عن خصره. مع أن التعليمات التي تسنّ في المطارات والمؤسسات والمركبات ليست موجهةً ضد أحد، بل وضعت لمصلحة الراكب. حين يكابر الراكب ضد حزام الأمان فإنه لا يعرف مصلحة نفسه، المطبّات الهوائية التي تمر بها الطائرة ربما تؤثر على صحة الإنسان في رأسه أو جسده أو ركبته، لكن عداوة التعليمات والأنظمة لها سرّ لا أعلمه.
في المطارات السعودية هناك غرف خاصة بالتدخين، لكن يصر الكثيرون على التدخين في الساحات العامة التي يمنع التدخين فيها. في بعض الجامعات يدخّن الدكاترة بمكاتبهم مع أن التدخين ممنوع في مكاتب الوظائف الحكومية!
قصة العداء للأنظمة والتهرب منها تحتاج إلى دراسات كثيرة نفسية واجتماعية، لكن أضرب على ذلك العداء للأنظمة نموذجين اثنين نشرتهما صحيفة “الرياض” في يومٍ واحد، الأولى قصة الطالب المبتعث الذي غُرّم بـ25 ألف دولار بسبب صراخه في الطائرة وتمرده على نظام الطائرة وركله للمضيفات وبصقه عليهنّ، وهذا ما استدعى الطيار أن يوقف الطائرة اضطرارياً، ليحال ذلك المبتعث الذي أثار الإزعاج إلى الجهات المختصة لمحاسبته.
الحادثة الثانية قصة السعوديين المخالفين للأنظمة في الإمارات، الذين تم القبض على عدد منهم، حيث يطْلون لوحات سياراتهم ليُخفون رقم اللوحة هرباً من “الرادار”، غير أن الشرطة في الإمارات كانت حاسمة حين حبست مجموعةً منهم، ثم أعلنت عن غرامة قيمتها 10 آلاف درهم ضد المخالفين الخليجيين، هذا غير مصادرة السيارة ومحاسبة السائق!
في صحيفة واحدة خبران اثنان دلاّ على نفرةٍ عجيبة من الالتزام بالأنظمة، واحترام القوانين في البر والبحر، يحاولون ـ بعض الكارهين للأنظمة ـ ما استطاعوا أن يحتالوا على الأنظمة التي وضعت لحماية الناس والبشر، فهي لم تسنّ وتوضع إلا لحراسة البشر من الكوارث والآلام. آلاف السعوديين في الخارج، يذهبون لأهداف مختلفة، لكن الكثير منهم لا يعرف الكثير عن أنظمة البلد الذي يذهب إليه ـ مثلاً ـ المسافر الذي اضطرت الطائرة للهبوط الاضطراري لإنزاله لم يغلق “الجوال” أثناء الطيران، وهذا ما جعل المضيفين يستدعونه ويخبرونه بالمنع ثم أصرّ واعتدى عليهم!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لو جربنا احترام الأنظمة، والالتزام بالسرعة، والتفنن في الالتزام سنشعر بأناقة ذاتية تسري بنا، نحسّ معها أن إنسانيتنا قد تحققت بكل هذا الالتزام الأخلاقي، الذي يدل على شخصية متطورة متحضرة، لا همجية معادية للأنظمة!